الكاتب: محمد رشيد رضا
ذو الحجة - 1325هـ فبراير - 1908م
رأي كبار ساسة الغرب في الحركة المدنية الجديدة في الشرق
نهضة الصين
قالت التيمس: (يؤخذ من رسالة مكاتبنا أن مملكة الصين الضخمة دفنت في هذه الأيام أفكارًا قديمة مضى على رسوخها في أذهان أبنائها قرون عديدة، واندفعت بعزم شديد لا يرد ولا يقاوم إلى اقتباس التعلم الغربي، والاهتداء بمعالمه إلى مناهج التقدم والارتقاء.
ولا شك أن هذا النهوض بعد ذلك السبات يعد دليلاً على الشعور الحي في نفوس الصينيين، ولاسيما الطبقات المتوسطة منهم؛ فقد طلبوا من الحكومة بصوت واحد أن تتحدى اليابان في اقتباس التعليم الغربي. ولما رأت الحكومة هذه النهضة العامة لم يسعها إلا أن تجاريهم وتجيبهم إلى مطالبهم لأن الزمان الذي كانت تلك الطبقات تحترم فيه التقاليد القديمة وتنقاد إلى الحكومة وذوي الشأن قد مضى وفات منذ انتصرت اليابان على روسيا، بل منذ اشتبكت الحرب بين الصين واليابان فإن هذه الحرب كانت عبرة وعظة للصينيين إذ دلتهم على أن قاعدتهم في التعليم عقيمة لا تأتيهم بثمرة، ولا تنشئ منهم رجالاً يديرون دفة السياسة، ويتفننون في نظام الجندية.
أما الحرب الثانية بين روسيا واليابان: فقد علمتهم أن التعليم الغربي يضمن لأمة شرقية فوزًا مبينًا على أعظم دولة غربية ولكنهم أخطأوا في نظرهم لأنهم نسبوا نجاح اليابان وفوزها إلى ما اقتبسته من علوم الغربيين وفنونهم، والحال أن العلوم والفنون لم تفدهم بقدر ما أفادتهم كفاءتهم وصفاتهم الشخصية.
والتمدن الأوربي إنما يعد حلقة وصلها اليابانيون بما أوتوه من شدة الذكاء والاستعداد الشخصي، فتم لهم ما أرادوا وعدت دولتهم في مصاف الدول العظمى.
ولو وقف الأمر عند حد التمدن الذي اقتبسوه لما نجحوا ولا بلغوا هذه الدرجة.
فالمصلحون الصينيون يحسبون تقدم اليابان نتيجة التمدن الغربي فقط وبعبارة أجلى: إنهم يريدون الاستمساك بأحد العاملين اللذين ارتقى بهما اليابانيون والإضراب عن العامل الآخر وهو أهم من الأول وأدعى إلى العناية والاستمساك؛ فإذا اهتموا به وعالجوا أدواءهم الشخصية وقوموا المعوج من عاداتهم وتقاليدهم وكان لهم ذكاء اليابانيين وكفاءتهم فإنهم يدركون ما أدركه إخوانهم، وإلا فإن التمدن الأوربي والتعليم الغربي لا يفيدهم شيئًا ولا ينقعان لهم غلة. وهب أن هذه الحركة الجديدة تعود بالنفع على الصينيين لكن التعليم الغربي عزيز المنال على الشعب الشرقي إلا إذا كان أفراده يستأصلون من نفوسهم ذلك الشعور الراسخ ويراعون مقتضى التعليم الغربي من كل وجه.
فإنه يغير العادات والأخلاق والعقليات والأدبيات ويقضي على التقاليد والخرافات قضاء مبرمًا. فإذا كان في وسع الصينيين أن يفعلوا ذلك كله فالنجاح منهم على طرف التمام وإلا فإن انقسمت كلمتهم وانتصر قوم للحديث وآخرون للقديم أدى أمرهم إلى فوضى عظيمة تحصدهم حصدا، فيكون التعليم الغربي قد أفضى إلى الهيجان والاضطراب بدلا من أن يكون وسيلة إلى التقدم والارتقاء.
وهذا شأن كل أمة شرقية تتلقى التعليم الغربي قبل الاستعداد له والوثوق بكفاءتها للجري على مقتضاه.
_____________________________
مجلة المنار المجلد العاشر 916
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق