بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 13 فبراير 2017

أين ما أبحر في التاريخ أجد سواحل الأندلس


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على معلم الناس الخير أبو القاسم محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين

ولله الحمد والفضل انتهيت من كتابي " الحضارة الصينية في التراث العربي " وعند مراجعتي للمراجع وجدت كثير من المراجع أندلسية!!

سبحان الله
أين ما أقرأ في التاريخ أجد علماء الأندلس أمامي، لله درهم من شعب محب للعلم.

يقول العلامة اللغوي الهندي عبد العزيز الميمني (ت:1398هـ) رحمه الله تعالى:
" أهل الأندلس يستحقون كل فضل وثناء، وقد مضت مئات السنين ولكن لم يظهر شعب على مسرح العالم يعشق العلم كما يعشقه أهل الأندلس ". <بحوث وتحقيقات >
وأتعجب كيف يذكرون أخبار حضارة أقصى الشرق، وهم أقصى الغرب.
ولكنهم أهل الأندلس…..


ذكرت في الكتاب الحديث المشهور عن نبينا وقدوتنا سيد ولد آدم أبو القاسم محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( اطلبوا العلم ولو بالصين )).
وإن كان هناك خلاف بين العلماء عن صحة الحديث مع شهرته.
والمصدر هو < جامع بيان العلم وفضله > لحافظ المغرب الإمام ابن عبد البر (ت: 463هـ) رحمه الله تعالى، وذكر الحديث في ثلاث مواضع.

و يقول في كتابه < القصد والأمم> بعدما ذكر ملوك الصين ومدنها:
" وفي الصين عجائب كثيرة "
وذكر كذلك في الكتاب السابق استخدامهم لقرن الكركدن، يقول:
" وأشرف حلي أهل الصين قرن الكركدن لأنها متى قطعت قرونها ظهر فيها صور عجيبة مختلفة فيتخذون منها مناطق تبلغ المنطقة منها أربعة آلاف مثقال ذهباً، والذهب عندهم هين عليهم حتى يتخذون منه لجام دوابهم وسلاسل كلابهم، ولهم ثياب الحرير المنسوجة بالذهب "


و في مقدمة الكتاب استفتحت بمقولة الإمام ابن حزم (ت: 456هـ) رحمه الله تعالى:
" أن أخبار الصين لم تصلهم كما وصلتهم أخبار باقي الأمم ".  < رسائل ابن حزم >

وكذلك الإمام الطرطوشي (ت: 520هـ) رحمه الله تعالى:
" يذكر أن سبب قلة النقل عن أخبار ملوك الصين وحكمائها إلى أرض العرب راجع إلى بُعد الشقة وطول المسافة ".
وكذلك ذكر تحري ملوكهم للعدل:
" وكانت من عادة ملوكهم وضع ناقوس موصول بسلسلة وطرف سلسلة في خارج الطريق، وعليها أمناء للسلطان وحفظة، فيأتي المظلوم فيحرك السلسلة فيسمع الملك صوت الناقوس، فيأمر بإدخال المظلوم، فكل من حرك تلك السلسلة تمسكه تلك الحفظة حتى يدخل على السلطان " < سراج الملوك >

وذكر البكري الأندلسي (ت:487 هـ) مدينة خمدان واصفاً إياها بأوصاف تدعو إلى الدهشة والعجب وكأنه يتحدث عن مدينة في العصر الحديث، حيث يقول:
"وسكك هذه المدينة مظلّلة بخشب السّاج، وتكنس في كلّ يوم ثلاث مرّات. ودورهم واسعة مبخّرة المجالس"
وكذلك علق على فتنة حدثت في الصين قبل عصر ملوك الطوائف في الأندلس، وهذه الفتنة مزقت الإمبراطورية الصينية إلى ممالك صغيرة،ويقارن البكري بين ما حصل عندهم وبين ما عاصره في الأندلس، يقول:
" وتغلّب رأس كلّ ناحية من بلاد الصين على ناحيته كتغلّب ملوك الطوائف حين قتل الإسكندر [دارا ملك الفرس] وكنحو ما نحن بسبيله. فرضي ملك الصين منهم بالطاعة، وأغار كلّ فريق منهم على من يليه، فعدم انتظام ملكهم إلى الآن "
وكذلك ذكر إستخدام أهل الصين للعاج وتطيرهم من الفيلة، فيقول:
" وأكثر ما يستعمل العاج بأرض الصين لأنّهم يتّخذون منه الأعمدة، فبها يدخلون على ملوكهم، ولا يدخل عليهم أحد من حشمهم وقوّادهم بحديد.
وأهل الصين لا يتّخذون الفيلة في الحروب كاتّخاذ الهند ويتطيّرون بذلك لخبر؛ كان لهم في قديم الزمان في بعض حروبهم " <المسالك والممالك>


والإمام أبو الربيع سليمان الكلاعي (ت: 634هـ) رحمه الله تعالى ذكر في كتابه < الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء > قصة رسول كسرى مع إمبراطور الصين عندما استنجد به لرد المسلمين، وفي نهاية الحوار نصح إمبراطور الصين رسول كسرى بأن يسالم المسلمين بعدما عرف أخلاقهم الطيبة.

و الأديب ابن عبد ربه الأندلسي (ت: 328هـ) نقل حوار رائع بين عابد والخليفة أبو جعفر المنصور في مكة المكرمة، وذكر العابد قصة عجيبة لأحد ملوك الصين وحرصهم على العدل مهما كانت الظروف فيقول ناصح للخليفة:
" وقد كنتُ يا أمير المؤمنين أسافر إلى الصَين فقدِمتها مرةً وقد أصِيبَ مَلِكُها بسمعه، فبكى يوماً بكاءً شديداً فحثه جلساؤه على الصبر.
فقال: أمَا إني لست أبكي للبلية النازلة بي، ولكني أبكي لمظلوم بالباب يصرُخُ ولا أسمعُ صوتَه.
ثم قال: أما إذ ذهب سمعي فإن بصري لم يذهب نادُوا في الناس ألاً يلبَسَ ثوباً أحمرَ إلا متظلمٌ، ثم كان يركب الفيل طرفَيْ نهاره، وينظر هل يرى مظلوماً ". < العقد الفريد >

ونقل الحِميرى (ت: 900هـ) بعض من المدن الصينية وفصل في ذكرها منها:
" انمو، اسنخوا، اسقيريا، باجة، خانفو أو خانقو، خيغون، طوقين "

وفي عجائب البحر ذكر:
" وفي بحر الصين دابة لها جناحان تنشرهما في الجو، تحمل على المراكب فتقلبها، يكون طول الدابة مائة ذراع ونحوها، وإذا رأى أهل المراكب هذه الدابة ضربوا الخشب بعضه ببعض فتنفر منها تلك الدابة وتخرج لهم عن الطريق، وقد قيض الله سبحانه وتعالى لهذه الدابة سمكة صغيرة إذا رأتها هذه الدابة الكبيرة نفرت منها، فمرت على وجهها فلا يستقر بها مكان من البحر ما دامت السمكة تتبعها" < الروض المعطار في خبر الأقطار >


وكذلك ذكرت في الكتاب أعظم وأول رحالة من مغرب الأرض إلى مشرقها وهو العالم الرحالة الإمام سعد الخير البلنسي الأندلسي الصيني (ت: 541هـ : 1146م)  رحمه الله تعالى والذي سبق الرحالة الشهير ابن بطوطة (ت: 779هـ : 1377م)  وكذلك الرحالة الشهير ماركو بولو (ت: 724هـ : 1324م) إلى الصين.
ولكن مع الأسف لم ينل شهرة كما نالها من بعده...


وآخر فصل في الكتاب بعنوان: الصين في الشعر العربي
وكان لأهل الأندلس مشاركة وكان خير من يمثلهم الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى :
                   جرى الحب مني مجرى النفس       وأعطيت عيني عنان الفر
ولي   سيد    لم  يزل     نافراً       وربتما   جاد لي  في الخلس
فقـــبلته طالبــــــــــاً راحـــــــة        فزاد    أليلاً   بقلبي   اليبس
وكـــــان  فؤادي  كنبت هــــشيم        يبيس   رمى   فيه  رام قبس
ويا جوهر الصــــــين سحقاً  فقد        غنيت بياقوتــــة الأنـــــــدلس

وله كذلك:
أرى دارها في كل حين وساعة     ولكن من في الدار عني مغيب
وهل نافعي قرب الديار  وأهلها     على وصلهم مني رقيب مرقب
فيا لك جار الجنب أسمع   حسه       وأعلم أن الصين أدنى وأقرب
كصاد يرى ماء   الطوي  بعينه   وليس  إليه من  سبيل  يسبب
كذلك من في اللحد عنك  مغيب      وما دونه إلا الصفيح المنصب <طوق الحمامة>

وكذلك مفخرة غرناطة لسان الدين الخطيب (ت: 776هـ) رحمه الله تعالى له أبيات ذكر الصين:
إذا قلت روضاً فالنجوم أزاهر       سقاها الصبا والدل صوب غوادي
وإن قلت للأقمار أسعد  مطلع       صدعت  بمحض الحق دون عناد
تقر ملوك الصين بالفخر كلما       فخرت    بفضل    حزته    لتلاد
وثامن أملاك الجهاد   أقامني       مطية   سلم   في   محل    جهاد <ديوان ابن الخطيب>



وتبقى الأندلس منارة العلم للعالم على مر التاريخ........

فيصل بن سويد
يوم الأثنين
16 من جمادى الأول 1438هـ
13 فبراير 2017م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق