بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 28 ديسمبر 2013

مقترح لمكتبة المرأة المسلمة



بسم الله والحمد لله كالذي نقول وخيرا مما نقول والصلاة والسلام على المبعوث رحمه للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى صحبة الغر الميامين ،
وبعد :
كما قيل : (( المرأة نصف المجتمع وتنجب النصف الآخر ، فهي المجتمع كله ))
أقترح أن تجمع ما كتب عن المرأة المسلمة لمشاهير الكتاب خاصة في العصر الحديث ، نجد ذكر المرأة وقصص مشاهير نساء المسلمين في كتبهم مفرقة ، ولو تجمع لحصلت فائدة عظيمة .

مثال ذلك :
مؤلفات الأديب الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى نجمع ما كتبة عن المرأة المسلمة ,
مثال كتابة " رجال من التاريخ " تكلم في عنواين رئيسية :
معلمة الرجال
سيدة جليلة من سيدات المجتمع الإسلامي الأول
سلطانة الهند 
عائشة التيمورية 

وفي بعض الشخصيات مثل سيرة الخليفة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه " الخليفة الكامل" كما سماه الشيخ , ذكرت سيرة زوجة الصالحة فاطمة بنت عبدالملك رحمه الله تعالى مع زوجها , كذلك نقتبسها سيرتها , وهكذا في باقي سير المذكورين في الكتاب اذا ذكرت المرأة .

هذا في كتاب رجال من التاريخ وجدنا أربع شخصيات رئيسية ونجد الكثير من الفرعية .
وهكذا نجمع ما كتبة الشيخ عن المرأة المسلمة في جميع مؤلفاتة ونجمعها في كتابة واحد .


ومثال ثاني : من كتاب " صلاح الأمة في علو الهمة " للشيخ سيد العفاني حفظه الله تعالى 
علو همة النساء في الفصل الرابع من المجلد السابع 
لو يوضع في كتاب منفصل لحصلت فائدة عظيمة .

وهكذا في مؤلفات مشاهير كتاب العصر من امثال :
الأستاذ أنور الجندي والأديب الرافعي والأديب المنفلوطي والأديب العقاد رحمهم الله تعالى والكثير من كتاب العصر المشهود لهم .


أرجو أن تنال الفكرة القبول

الجمعة، 27 ديسمبر 2013

الجامع لتاريخ الهند الإسلامي وأعلامها وعلومها


بسم الله والحمد لله كالذي نقول وخيرا مما نقول والصلاة والسلام على المبعوث رحمه للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى صحبة الغر الميامين ،
وبعد :

تاريخنا الإسلامي المجيد في الهند لا يعد من مفاخر الإسلام فقط بل من مفاخر البشرية , فالهند كالأندلس لم يسطع نجمها إلا بعد أن دخلها الإسلام , فعندما تقرأ تاريخ الهند كأنك تقرأ تاريخ الأندلس وبالعكس , فكلا القطرين الغاليين قدم لإسلام والمسلمين الكثير من علماء أجلاء ومن قادة عظماء , ونشروا الحرية الحقيقة (وليست المزعومة التي يدعيها الغرب في عصرنا) وأخرجوا العباد من عبادة العباد إلى عباد رب العباد , ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام , وأسسوا الحضارة بجميع جوانبها , حضارة يشهد لها كل منصف من غير المسلمين .
وإن كانت الأندلس سعدت بثمان قرون من عدل الإسلام , قبل أن يطردهم المحتل الصليبي الأسباني ....
فالهند سعدت لعشر قرون , قبل أن يطردوا منها بتحالف العدو التقليدي للمسلمين الصليبيين والهندوس  ....
وما فقد من الهند أضعاف ما فقدناه في الأندلس ......

ولأجل إحياء ذكرى الأندلس والهند جمعت بعض المقالات ورتبتها على حسب قدمها أحداثها .
أرجو من ربنا العليم الحكيم المعين أن يوفقني في أحياء فكرة تحرير بلادنا المحتلة وأن نسترجعها عن قريب بإذن ربنا العزيز .

وقبل ذكر مواضيع الهند في المدونة , أضع لكم رابط أندلسيات جمعت فية أكثر من 60  تدوينة عن الفردوس المفقود :
والتالي عن الهند الفردوس الأكبر :

1- الإسلام في الهند :
2- فتح الديبل والشند :
3- بين طغان خان ومحمود بن سبكتكين :

4- الغزنوي فاتح الهند :
5- سلطانة الهند :
6- الملك الصالح :
7- السلطان أورنك زيب عالمكير :


8- الإسهام الهندي في العلوم الإسلامية :
9- أعلام المحققين في الهند وجهودهم في نشر التراث العربي الإسلامي :
10- دلهي حاضر المسلمين لعدة قرون :
13- سارق الحركة الوطنية من المسلمين , الهندوسي المتعصب غاندي :



# أنصح بموقع الهند الإسلامية للأخ أبويعلي البيضاوي المغربي , جزاه الله خير بذل مجهود كبير أسأل ربنا الكريم أن يكرمة في الدارين  :




مواضيع متجددة:-



14- الملك المؤيد المظفر شمس الدين الإيلتمش:
15- الملك المؤيد المنصور غياث الدين بلبن سلطان الهند
https://bin-swauid.blogspot.com/2015/12/blog-post_11.html






الخميس، 26 ديسمبر 2013

بين طغان خان ومحمود بن سبكتكين



في بداية القرن الخامس الهجري وبالتحديد في السنة الثالثة بعد الأربعمائة من الهجرة كادت تقع بين قائدين من أكبر قادة الإسلام في ذاك الوقت وربما كانا أعظم قائدين في عصرهم فتنة عظيمة وحرب تدمر الفريقين .
طغان خان فاتح تركستان ومحمود بن سبكتكين فاتح الكثير من بلاد الهند 
وقبل أن يقع الصدام : راسل طغان خان يمين الدولة (محمود بن سبكتكين) وصالحه ، وقال له :
 المصلحة للإسلام والمسلمين أن تشتغل أنت بغزو الهند ، وأشتغل أنا بغزو الترك ، وأن يترك بعضنا بعضاً ؛ فوافق ذلك هواه ، فأجابه إليه ، وزال الخلاف ، واشتغلا بغزو الكفار . < الكامل في التاريخ الجزء الثامن ص76 >

رحمه الله تعالى القائدين العظيمين ولو أن جميع قادة الأسلام مثلهم لما وصلنا الى الحالة التي فيها الآن .

وبعد الصلح بخمس سنوات حدثت معركة من أعظم معارك الإسلام ولكن مع الأسف أن الكثير يجهلها كما يجهلون قائد المعركة الملك الصالح طغان خان :
http://alhmdani897.blogspot.com/2013/12/blog-post_3.html


أما القائد الثاني الملك الصالح يمين الدولة محمود بن سبكتكين فشهرة طغت على شهرة أخية طغان خان , وأهم غزواتة حدثت بعد الصلح بثلاث عشر سنة عندما فتح مدينة سنومات وكان بها معبد ضخم ويحوي صنما اسمه سومنات وهدم الصنم وكانت واقعة عظيمة .

نعم الصلح الذي حدث بينهم وآثاره الفتوحات العظيمة الباقية إلى يومنا .


هذا في المشرق أحداث تفرح الصديق وتغيض العدو .

أما المغرب وخاصة في الأندلس فعكس المشرق بدأت بوادر الفرقة سقطت الخلافة الأموية  وظهرت دول الطوائف وأصبح حال المسلمين بين الدول النصرانية الصليبية كالأيتام في مأدبة اللئام .




الغزنوي.. فاتح الهند



أحمد تمام 



اهتم الخلفاء الراشدون بفتح بلاد الهند ؛ فبعثوا منذ عهد عمر بن الخطاب عدة حملات على أطراف هذه البلاد ، غير أن الفتح المنظم بدأ في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك ، حيث قام عامله على العراق الحجاج بن يوسف الثقفي بهذه المهمة العظيمة ، فأعد حملة عسكرية وجهزها بما يكفل لها النجاح من عدة وعتاد ، وأسند قيادتها إلى واحد من أكفأ القادة وأمهرهم هو ابن أخيه محمد بن القاسم ، وكان دون العشرين من عمره ، فنهض بهذه المهمة على خير وجه ، وتمكن من التوغل في بلاد الهند ، وفتح مدينة "ديبل" وأقام بها مسجدا ، وترك بها حامية من أربعة آلاف جندي ، وأصبحت ديبل أول مدينة عربية في الهند .

وهذه المدينة كان موقعها قريبا من "كراتشي" لكنها اندرست ولم يعد لها وجود الآن ، وواصل القائد المظفر حملته الناجحة في شمال الهند ، وهو ينتقل من نصر إلى نصر ، وأهالي البلاد تقبل عليه ؛ فرحًا به لسماحته وحسن سياسته ، وتعدّه محررَها من ظلم الهندوس واستعبادهم .

غير أن هذا الحلم الجميل بدا يتحطم ويتبدد ؛ فقد توفي الحجاج الثقفي صاحب اليد البيضاء في هذا الفتح ، ومن بعده الخليفة الوليد بن عبد الملك ، وتولى العراق حاكم جديد ، فأوقف الفتح وعزل محمد بن القاسم عن ولاية السند .

وظلت السند تابعة للدولة الأموية ومن بعدها الدولة العباسية ، وحافظ المسلمون على ما فتحوه ، وتوسعوا قليلا في ضم أجزاء أخرى إلى دولتهم ، حتى سيطر المسلمون على المنطقة الواقعة بين كابل وكشمير والملتان .


قيام الدولة الغزنوية :
كانت "غزنة" بأفغانستان ولاية نائية ، تخضع للدولة السامانية التي تحكم خراسان وما وراء النهر ، ويقوم عليها ولاة من قِبلها ، وشاءت الأقدار أن يلي غزنة سنة (366هـ= 976م) والٍ يسمى "سبكتكين" كان يتمتع بهمة عالية وكفاءة نادرة ، وطموح عظيم ، فنجح في أن يبسط نفوذه على البلاد المجاورة ، وشرع في غزو أطراف الهند ، وسيطر على كثير من المعاقل والحصون هناك ، حتى تمكن من تأسيس دولة كبيرة في جنوبي غرب آسيا ، وتوفي سنة (387هـ=997م) .

ولاية محمود بن سبكتكين :
بعد موت سبكتكين خلفه ابنه إسماعيل ، بعد أن عهد إليه أبوه بالملك من بعده ، غير أن أخاه الأكبر محمود - وكان سند والده في غزواته وحروبه - رفض أن يقر لأخيه بالملك لضعفه وسوء تدبيره ، فنهض عليه واستطاع بعد سبعة أشهر أن ينتزع الملك لنفسه ، ويقبض على زمام الأمور ، وبدأ عهد جديد لم تشهده المنطقة من قبل ، فلم يكد يستقر الأمر له ، حتى بدأ نشاطًا واسعًا في الفتوح ، وأثبت أنه واحد من كبار الفاتحين في تاريخ الإسلام ، حتى قيل إن فتوحه تعدل في المساحة فتوح عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

قضى محمود الغزنوي الفترة الأولى من حكمه في تثبيت أركان دولته ، وتوسيع رقعتها على حساب الدولة السامانية التي دبّ الضعف في أوصالها ، فرأى الفرصة سانحة للقضاء عليها ، وتم له ذلك في (جمادى الأولى 389هـ= أبريل 999م) بعد انتصاره على عبد الملك بن نوح الساماني في موقعة حاسمة عند مرو ، وأصبحت خراسان خاضعة له ، ثم تصدى للدولة البويهية ، وانتزع منها الري وبلاد الجبل وقزوين .

فتح الهند :
بعد أن استقرت الأحول لمحمود الغزنوي واستتب له الحكم ، وأقرته الخلافة العباسية على ما تحت يده من بلاد ، تطلّع إلى بسط سيطرته على بلاد الهند ، ومد نفوذه إليها ونشر الإسلام بين أهلها ؛ ولذلك تعددت حملاته على الهند حتى بلغت أكثر من سبع عشرة حملة ، وظل يحارب دون فتور نحوًا من سبع وعشرين سنة ، بدأت من عام (390هـ= 1000م) ، حيث قاد حملته الأولى على رأس عشرة آلاف مقاتل ، والتقى عند مدينة بشاور بجيش "جيبال" أحد ملوك الهندوس ، وحقق نصر غاليا ، ووقع الملك الهندي في الأسر ، الذي لم يستطع أن يتحمل هزيمته والعار الذي لحق به ، فأقدم على حرق نفسه ، بعدما أطلق الغزنوي سراحه مقابل فدية كبيرة .

ثم تعددت حملات الغزنوي ، وفي كل مرة كان يحقق نصرا ، ويضيف إلى دولته رقعة جديدة ، ويبشر بالإسلام بين أهالي المناطق المفتوحة ، ويغنم غنائم عظيمة ، حتى توج فتوحاته في الهند بفتح بلاد "الكجرات" ، ثم توجه إلى مدينة "سومنات" سنة (416هـ= 1025م) وكان بها معبد من أكبر معابد الهند ، يحوي صنما اسمه "سومنات" وكان الهندوس يعظمونه ويحملون إليه كل نفيس ، ويغدقون الأموال على سدنته ، وكانت مدينة سومنات تقع في أقصى جنوب الكجرات على شاطئ بحر العرب ، فقطع الغزنوي الصحاري المهلكة حتى بلغها ، واقتحم المعبد ، وهزم الجموع الغفيرة التي حاولت إنقاذ المعبد ، ووقع آلاف الهندوس قتلى ، وسقط المعبد في أيدي المسلمين .

وغنم الغزنوي أموالا عظيمة قُدرت بنحو عشرين مليون دينار ، وعاد إلى غزنة سنة (417هـ=1026م) وظلت ذكرى هدم معبد سومنات عالقة في ذاكرة الهندوس لم يمحها كرّ السنين ، ولا تغيرها الأحول ، حتى إذا ما ظفرت الهند باستقلالها عمدت إلى بناء هذا المعبد من جديد في احتفال مهيب .

ولم يكن الغزنوي مدفوعا في فتوحاته برغبة جامحة في كسب الغنائم أو تحقيق مجد يذكره له التاريخ ، ولكن قاده حماسه لنشر الإسلام ، وإبلاغ كلمة التوحيد في مجتمع وثني ، وكانت تلك الحملات مسبوقة بطلب الدخول في الإسلام ، وإلى هذا أشار السير "توماس أرنولد" في كتابه "الدعوة إلى الإسلام" بقوله : وفي الحق أن الإسلام قد عُرض في الغالب على الكفار من الهندوس قبل أن يفاجئهم المسلمون .

وكانت حصيلة جهود محمود الغزنوي أن أتمّ فتح شمال شبة القارة الهندية ، ففتح إقليم كابلستان ، وملتان ، وكشمير ، وأخضع البنجاب ، ونشر الإسلام في ربوع الهند ، وفتح طريقا سلكه من جاء بعده .

وقد نظر المؤرخون المسلمون إلى أعماله نظر إعجاب وتقدير ، فقد بلغ بفتوحاته إلى "حيث لم تبلغه في الإسلام راية ، وأقام بدلا من بيوت الأصنام مساجد الإسلام" .

النهضة الحضارية والثقافية 
البيروني :
اكتسب الغزنوي مكانته في التاريخ بفتوحاته التي لم تُسبق ، وبجهوده الحضارية التي لم يشغله عنها فتوحاته وغزواته ، وكان العزنوي نفسه مولعا بعلم الحديث ، يستمع إلى علمائه كما كان فقيها له مؤلفات ، ولا يكاد يسمع بعالمٍ له مكانة حتى يستدعيه إلى دولته ، فاستقدم "أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني" المتوفى سنة (440هـ= 1049م) الذي نبغ في علوم كثيرة ، في مقدمتها الرياضة والفلك ، وعُدّ من أعظم رجال الحضارة الإسلامية ، وتُرجمت كتبه إلى اللغات الأوروبية ، وأطلقت روسيا اسمه على جامعة أنشأتها حديثا .

وعني السلطان بالشعر وكان له به شغف ، ومن أشهر الشعراء الذين ازدانت بهم دولته الشاعر الفارسي "عنصري" وكان نديما للسلطان وشاعرا له ، منحه لقب "ملك الشعراء" في مملكته ، و"المسجدي" ، و"الفرخي" وهو شاعر فارسي عظيم قيل فيه : إن الفرخي لدى الفرس بمثابة المتنبي لدى العرب .

أما أبرز الشعراء في هذا العصر فهو "الفردوسي" صاحب "الشاهنامة" التي نظمها في خمسة وعشرين عاما من الجهد والإبداع ، وتشمل أخبار الفرس القدامى ، وهي من عيون الأدب العالمي .

ومن أبرز كتّاب الدولة ومؤرخيها "أبو الفتح البستي" وكان كاتبا للسلطان وموضع سره ومستشاره في كثير من الأمور ، وله شعر رائق ونظم جيد ، و"أبو نصر محمد بن عبد الجبار العتبي" مؤرخ الدولة الغزنوية وكاتب السلطان مع أبي الفتح البستي ، له كتاب "اليميني" نسبة إلى يمين الدولة لقب السلطان محمود الغزنوي ، تناول فيه تاريخ الدولة الغزنوية .

وأصبحت غزنة في عهد السلطان محمود منارة للعلم ومقصدا للعلماء ، وغدت عامرة بالمساجد والقصور والأبنية التي لا تقل بهاءً وجمالا عن المنشآت الهندية التي اشتهرت بدقة التصميم وجمال العمارة .

وفاة الغزنوي :
ظل السلطان محمود الغزنوي يواصل جهاده حتى مرض ، وطال به مرضه نحو سنتين ، ومع ذلك لم يحتجب عن الناس أو يمنعه المرض من مباشرة أمور رعيته حتى توفي قاعدًا في (23 من شهر ربيع الأول 421هـ= 29 من أبريل 1030م) بعد أن أنشأ دولة واسعة ، ضمّت معظم إيران وبلاد ما وراء النهر وشمال الهند كله ، ونشر دينًا لا يزال له أتباع كثيرون في الهند .

________________________________________________
مصدر الخريطة : أطلس التاريخ العربي والإسلامي  

هوامش ومصادر :
 نظام الدين بخشي الهروي- المسلمون في الهند- ترجمة أحمد عبد القادر الشاذلي- الهيئة العامة للكتاب- القاهرة 1995م.
 عبد المنعم النمر- تاريخ الإسلام في الهند- المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر- بيروت 1401هـ=1981م.
 حسن أحمد محمود- الإسلام والحضارة العربية في آسيا الوسطى- دار النهضة العربية- القاهرة 1968م.
 عصام الدين عبد الرؤوف- تاريخ الإسلام في جنوب غرب آسيا- دار الفكر العربي- القاهرة 1975م.
 حسين مؤنس- أطلس تاريخ الإسلام- الزهراء للإعلام العربي- القاهرة 1407هـ=1987م.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/25196/#ixzz2oX6kn0RH

دلهي : حاضرة المسلمين لعدة قرون



د. أحمد الشاذلي

دلهي

حاضرة المسلمين لعدة قرون

تفخر مآذنها بماضيها الإسلامي


الهند بلادٌ فريدةٌ في معتقداتها ، عجيبةٌ في تاريخها وآدابها وأجناسها ولغاتها ، تاريخُها طويلٌ يمتدُّ آلاف السنين ، كتب عنها المجلدات الكبيرة : في التاريخ والأدب ، والفلسفة ، والعقائد ، وما زال هناك الكثير لم يُكشَف عنه النقاب بعدُ .

إذا عددنا تاريخ وآداب الهنود ، وسكان شبه القارة الهندية قبل الإسلام ، وجدْنا الإسلام بحضارته وثقافته يحتلُّ مكانًا بارزًا في تاريخ الهند : السياسي ، والفكري ، والعقائدي .

لقد أسَّس المسلمون دولةً واسعةَ الأرجاء ، وحَمَلوا معهم دينَهم ، ولغاتِهم ، وثقافتَهم ، وتراثَهم ، واعتنق كثيرٌ من الهنود الإسلامَ ، وتحدَّثوا بلغة الفاتِحين المسلمين ، وأَسهَموا بإسهاماتٍ كثيرة في الثقافة الإسلامية ، وألَّفوا ، وصنَّفوا آلاف المجلدات النفيسة في العلوم والآداب الإسلامية .

الباحث في تاريخ المسلمين في الهند يجد مجالاً واسعًا ، لا يقف عند حدود المكان أو الزمان ، ويجدُ متَّسعًا في الفكر عند قراءة الآداب الإسلامية .

لقد عمَّر المُسلِمون الهند حين جاؤوا إليها منذ القرن الأوَّل الهجري ؛ حيث بدأ العرب المسلمون يَطرُقون أبوابَها في عهد الوليد بن عبدالملك ، فقد قاد محمد بن القاسم القائد العربي المسلم جيشًا استولى فيه على إقليم السند، وبدأ يخطِّط للتعمير والبناء والتشييد ، وضع أُسُس الحضارة الإسلامية ، حين أسَّس مدينة المنصورة في الملتان ؛ لتكون مقرًّا للحكومة الإسلامية .

لم تكن مدينة المنصورة هي المدينةَ الإسلاميةَ الوحيدة التي أقامها المسلمون في الهند ؛ بل أصبحت كلُّ بقعةٍ من بلادِ الهند على اتِّساعها تَشهَد بالوجود الإسلامي ، سواء في إقامة المدن ، أو تشييد المساجد والمدارس ، أو تعبيد الطرق ، وحفر الآبار .

إن أسماء المدن الهندية ، مثل : حيدر آباد ، والله آباد ، وشمس آباد ، وهمايون آباد ، وتغلق آباد ، وأجرا ، ودهلي - توضِّح الأثر الإسلامي ، والدور الذي قام به المسلمون لتعمير الهند .

عندما تَختَفِي الرؤية الحقيقية للأمور ، وتتدنَّى النفوس الحاقدة ، وتُغمِض عينَها عن الحقائق الدامغة ، يكون لزامًا على المسلمين مواجهةُ الافتراءاتِ والأكاذيب ، وفضح أساليب طَمسِ المعالم الإسلامية ، وهي أساليب أصبحت ظاهرةً من ظواهر هذا العصر .

تحريف الأسماء العربية :
لقد عَمِل الأوربيُّون من قبلُ لتحريفِ الأسماء العربية ، وطمسِ جهود المسلمين ، وإنكار فضلِهم على أوربا والعالم ، وتحوَّلت الأسماء العربية إلى كلمات غربية الإيقاع ، غريبة على السماع ، فحين يقولون عن ابن رشد Averoes "أفيروس" ، وابن سينا Avicenne "أفيسين" ، وأبي معشر Albumazar "البومازار" ، ويحرفون الأسماء تحريفًا متعمدًا لطمس الهُوِيَّة الإسلامية ؛ لذا وجب مواجهةُ هذه الأساليب ، ومجابهة هذه الافتراءات .

المعالِم الإسلامية واضحةٌ تمام الوضوح في كل مكان نزل فيه المسلمون ، العمائر الشامخة تنبئ عن قدرة وعظمة المسلمين ، عندما وطئوا أرض الأندلس زَرَعوا أرضها بالمدن العامرة ، حتى صارت قرطبةُ ، وغرناطةُ، وإشبيلية ، وغيرها من مدن الأندلس - قِبلةً للقادمين من أوربا لتلقي العلم والمعرفة .

المدارس ، والمعاهد ، والمراصد التي ما زالت أطلالُها إلى يومنا هذا تَشهَد للمسلمين بالعظمة ، وتتحدَّى الحاقدين على المسلمين وتراثهم .

والهند واحدةٌ من البلدان التي خَضَعت لسلطان المسلمين سبعة قرون متتالية ، عاشت خلالَها في أمن وأمان ، شَهِد لها الرَّحَّالة الأوربيُّون قبل المسلمين ، حين زارها "ماركو بولو" وجد سلاطين المسلمين يحكمون بالعدل والإنصاف ، في وقتٍ كانت أوربا تَعِيش تحت حكام مستبدِّين .

على الرغم من أن جميع الشعوب الغازية - سواء في العصور القديمة أو الحديثة - تَلْجَأ إلى أساليب التدمير والهدم ، ومحاربة الشعوب والجيوش معًا ، وقد شَهِد التاريخ من أمثال ذلك الكثير في حروب المَغُول ، وغزوات الرومان والفرس ، وحتى في العصر الحديث حين قام الروس بتدمير "جروزني" عاصمة الشيشان ؛ من أجل إخضاع شعبها ، وحين قام الصِّرْب بتدمير "سراييفو" ، و"توزلا" ، و"موستار" ، و"بيهاتش" ؛ من أجل ضمِّها بالقوة ، على الرغم من كل هذا ، إلا أن هذه النظرة لم تكن عند الفاتحين المسلمين .

هذا هو الإسلام :
الفاتحون المسلمون لم يدمِّروا مدنًا ، ولم يحارِبوا شعوبًا ، ولم يَهدِموا عمرانًا ، ولكنهم أقاموا المدن ، وأنشؤوا المراصد والمدارس ، وألفوا بين الشعوب ، لم يدمِّروا تراث السابقين ، ولم يَهدِموا المعابد والكنائس ، لم يَقتَلِعوا زرعًا ، ولم يُبِيدوا نخلاً ؛ وإنما عَمروا الخرابات ، وأصلحوا ما أفسدته عوامل الزمن .

ومن أهم العمائر الإسلامية في الهند مدينة "دهلي" ، وهي المعروفة في الكتابات العربية "دلهي" ، والمعروفة حاليًّا بـ"نيودلهي" عاصمة الدولة الهند ، فهي مدينة إسلامية ، اتخذها المسلمون عاصمةً لدولتهم منذ وطئوا تلك البلاد ، وظلَّت كذلك حتى نهاية دولتهم .

اختار المسلمون مدينة "دهلي" على الضفة اليُمنَى من نهر "جمنه" ، وهو أحد فروع نهر "الجانج" ، واتخذوها قاعدةً لهم ، وحاضرة لدولتهم ، وكانت من قبلُ قريةً مجهولة .

كان الغَزْنَوِيُّون قد فتحوا بلاد الهند ، ولكنهم اتخذوا "لاهور" عاصمة لهم بعد غَزْنَة ، على الرغم من أن جيوشهم كانت قد وصلتْ إلى أقصى بلاد الهند .

وعندما استقر الحكام المسلمون في الهند في عهد المماليك الغُورِية في أوائل القرن السابع الهجري ، اتخذوا "دهلي" عاصمة لهم .

كان السلطان "قطب الدين أيبك" قد استولى على شمال الهند من حاكمها الهندوسي "يرتوي راجا" ، واستقر في "دهلي" ، وأقام عدَّة عمائر وأحياء بالمدينة ، كان من أشهرها المنارة الضخمة التي ما زالت أطلالها باقيةً حتى الآن .

قطب منار :
والمنارة التي تسمَّى باسم "قطب منار" - نسبة إلى قطب الدين أيبك - من العجائب البديعة التي مزجت بين الفن الإسلامي والفن الهندي ، وهي من روائع العمائر الإسلامية في الهند ، ويجاور المنارة برج النصر الذي يرتفع 258 قدمًا .

وكانت "منارة قطب الدين" هي أولَ منارةٍ تقام في "دهلي" على مسجد يسمَّى باسم "مسجد قطب الإسلام" ، وهذا المسجد به العديد من الفنون الإسلامية التي أضيفت إليه في السنوات التالية .

لقد أقام "علاء الدين خلجي" بوابة ضخمة لهذا المسجد تسمَّى "دروازة علائي"، وأدخل تعديلاتٍ على المسجد ، وتوسيعاتٍ كبيرة ، كما أقيمت عدَّة أضرحة لبعض السلاطين المسلمين في ساحة المسجد ، وكان أشهر الأضرحة بهذا المسجد "ضريح الشيخ قطب الدين جشتي" .

ومدينة "دهلي" الإسلامية تتكوَّن من سبع مدنٍ :
أقدمها : المدينة المعروفة "بدهلي" .
وثانيها : مدينة "سيري" ، التي بناها السلطان علاء الدين خلجي في أوائل القرن الثامن الهجري .
وثالثها : المدينة المسمَّاة باسم "جهان بناه" ؛ أي : مَلاذ العالَم .
ورابعها : مدينة "تغلق آباد" ، التي بناها السلطان "تغلق شاه" .
والخامسة : هي مدينة "فيروز آباد" ، التي بناها السلطان "فيروز شاه" . 
والسادسة : هي مدينة "أجره" ، التي اتخذها السلطان "بابر شاه" و"همايون شاه" عاصمة لهما .
والمدينة السابعة : هي "شاهجان آباد" .

إسلامية الآثار :
ومدينة "دهلي" تكاد تَنطِق بإسلامية آثارها ، ويكادُ يَنطِق كلُّ حجر في عمائرها معبرًا عن قدرة وعظمة المسلمين .
  
في كل شبرٍ من المدينة الضخمة نرى الآثار الإسلامية ؛ من قصورٍ ، ومساجدَ ، وقلاعٍ ، ومدارسَ ، وأضرحةٍ ؛ ففيها : مسجد "خركي" المسقوف بأكمله على شاكلة مساجد قرطبة ، والمسجد الجامع الذي بناه "تيمور لنك" ، ومسجد "موتى" ، الذي يعد من أعظم المساجد في المدينة ، والمسجد الجامع الذي بناه "شاهجان" ، ويعد آية من آيات الفن المعماري الإسلامي .

بالإضافة إلى المساجد التي ما زالت أطلالها باقية حتى اليوم ، كانت هناك القصور ، والقلاع ، والحصون ، وأهمها : "قصرُ القلعة الحمراء" الذي أنشأه "شاهجهان" ، و"قصر الحصن" ، و"قصور فيروز شاه" ، و"آل لودي" المغول المسلمين في الهند .

ومن الآثار الإسلامية في "دهلي" قاعة الموسيقا "نقار خانه" ، والديوان العام ، والديوان الخاص ، والأسوار التي أقيمت حول المدينة في عصور مختلفة .

لقد استمرَّ المسلمون يوسِّعون في مدينة "دهلي" حتى أواخر القرن السابع عشر الميلادي ؛ حيث أنشأ السلطان "أورنجزيب" بعض القصور والمساجد .

تاج محل :
وعندما بدأ سلطانُ المسلمين يتوارى ؛ بسبب الهجمات الخارجية ونفوذ الإنجليز في البلاد ، هجر آخر سلاطين المسلمين "شاه عالم الثاني" "دهلي" عاصمة المسلمين سنة 1803م ، حيث استولى عليها الإنجليز .

لقد زار الهندَ بعضُ الرَّحَّالة الأوربيين في القرن العاشر الهجري ، في عهد السلطان أكبر ، الذي فتح بلاطه لجميع الديانات ، وقابل رُسُل ملوك أوربا ، الذين سجَّلوا الأحوال في الهند تحت سلطان المسلمين ، ورصدوا التقدَّم العمراني والحضاري والثقافي ، في ظل سلاطين المسلمين .

وتعدُّ مقبرةُ "تاج محل"، التي بناها السلطان "شاهجان" لزوجته "ممتاز محل" واحدةً من عجائب الدنيا السبع ، والتي ما زالت شامخة حتى الآن في مدينة "أجرا" "بدهلي" ؛ لتعبر عن أصالةِ الفنِّ والمعمار الإسلامي في الهند .

إن "تاج محل" ليست إلا واحدةً من آلافِ الآثار الإسلامية الراقية ، ولعلها واحدةٌ من الآثار التي نالت الاهتمام بين الآلاف من التحف المعمارية الإسلامية في الهند التي تعاني من الإهمال والتعدي .

وإذا كان الاعتداء على مسجد "بابري" وبعض المساجد الإسلامية يهدِف إلى محو الهُوِيَّة الإسلامية ، فإن محوَها لن يتم إلا بمحوِ كل المدن الهندية ، وأولها مدينة "دهلي" عاصمة الهند .

خير أمة أخرجت للناس :
الحضارة الإسلامية هي حضارة أمَّة ليست ككلِّ الأمم ؛ وإنما هي خير أمة أخرجت للناس ، ومن هنا ؛ فإن تراثها الحضاري يجب أن يكون خيرَ تراثٍ يقدَّم للبشرية . 

لقد سَعَى الأوربيون لاستبعاد العرب عن أصل الحضارة ، واتَّهموهم باتهاماتٍ باطلة وزائفة ، وحَارَبوا كلَّ فكرٍ عربيٍّ ؛ سعيًا منهم للحدِّ من انتشار الإسلام ، وكانت الاتهامات الموجَّهة ضد العرب وإبرازهم في صورة مُزْرِية - مقصودًا بها الهجوم على الدين الإسلامي ، الذي يمثل عمادَ الحضارة التي أقامها المسلمون .

لقد وُجِدَ المسلمون في الأندلس ، وبعد رحيلِهم قهرًا ، ظلَّت أرض الأندلس تفخَر بوطءِ المسلمين لها ، ووُجِدَ المسلمون في الهند ، فلم يَترُكُوها وظلُّوا بها بعد أن نَزَع المستعمِرون عنهم سلطانَ الحكم والسيادة ، إلا أنهم لم يتمكَّنوا من نزع التراث الإسلامي من تراث الهند ، ولم يتمكَّنوا من محوِ الفكر الإسلامي من الفكر الهندي .

"دهلي" أو "نيودلهي" عاصمة الهند اليوم ، وعاصمة المسلمين بالأمس - ما زالت تفخر بماضيها الإسلامي العريق .

_________________________________________________________

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/45921/#ixzz2oX1SqQ1I

أعلام المحققين في الهند وجهودهم في نشر التراث العربي الإسلامي



محمد عزيز شمس 


بدأَت حركةُ نَشْر التُّراث العرَبِيِّ في الهند مِن أواخر القرن الثَّامن عشر الميلادي ، عندما أُنشئت مطابِعُ في مدينة "كلكتا" لطباعة الكتب على الحروف ، وكان من أوائل ما نُشر فيها :
 "السراجية في الفرائض" "للسجاوندي" عام 1793 ، و"الهداية" "للمرغيناني" عام 1807 ، و"الفصول الأبقراطية" عام 1832 ، و"ألف ليلة وليلة" عام 1839 - 1842 ، و"فِهْرِست الطوسي" عام 1853 ، و"تاريخ الخلفاء" "للسيوطي" عام 1856 ، و"الإصابة في تمييز الصحابة" "لابن حجر" عام 1856 ، وغيرها من أمَّهات المصادر في مُختلِف الفنون ، والذين قاموا بتصحيحها والتعليق عليها علماء أجِلاَّء منهم : "مولوي كبير الدين أحمد" ، و"مولوي سليمان غلام مخدوم"، و"مولوي عبدالله" ، و"مولوي عبدالحق" ، و"غلام قادر" ، و"محمد وجيه عبدالحق"، وغيرهم .

ثم أُنشئت مطابِعُ عديدةٌ في مدن أخرى بالهند تطبع الكتب على الحجر، مثل مطبعة "نَوَل كِشور" في "لكنو"، و"المطبع الصديقي" في "بوفال"، و"المطبع الشاهجهاني" في "بوفال"، و"المطبع الفاروقي" في "دلهي"، و"المطبع الأنصاري" في "دلهي"، و"المطبع الأحمدي" بـ"دلهي"، و"المطبع النظامي" في "كانفور"، و"المطبع الخليلي" في "آره"، و"مطبعة دار الكتاب والسُّنة" في "أمرتسر"، و"مطبعة نخبة الأخبار" في "بومبي"، وغيرها .

ويَطُول بنا القول لو استعرَضْنا أهمَّ مطبوعاتِها ؛ فلِكُلِّ مطبعةٍ منها دورٌ بارز في نشر الكتب العربية الإسلاميَّة في علوم الشريعة ، واللُّغة ، والأدب ، والتاريخ ، والطِّب ، والفلسفة ، وغيرها ، وكان يقوم بتصحيحها ومراجعتِها علماء كبارٌ يعتنون بتصحيح المَتْن والتَّدقيق فيه ، ويَكتبون في الحواشي تعليقاتٍ تُجلِّي غوامِضَ الكتاب ، وتَشرح مَضامينَه ، وتحلُّ مشكلاتِه .

وقد اهتمَّت دائرة المعارف النظامية (ثم العُثمانية) في "حيدرآباد" منذ إنشائها سنة 1308 بانتقاء أهمِّ المصادر في مختلِف الفنون ، وحصر مَخطوطاتِها وجمع مصوَّراتِها ، ثُمَّ القيام بتحقيقها ونشرها بواسطة لَجْنة علميَّة كان يرأسها الأستاذ محمد هاشم النَّدوي ، وهو الذي ألَّف "تذكرة النَّوادر" ، ووضع برنامجًا للنشر ، وجمع العلماء والباحثين من الهند وخارِجَها ، واتَّصل بالمستشرقين والمهتمين بالتُّراث العربي .

لقد كانت دائرةُ المعارف أوَّلَ مؤسَّسةٍ عِلمية في الشرق عُنِيَت بنشر عيون التُّراث التي لا تَخلو منها مكتبةٌ عربية في العالَم ، ومنشوراتُها موضِعُ ثقةٍ واحترام في الشَّرق والغرب ، ولا يَستغني عنها مُحقِّقٌ أو باحث في مَجال الدِّراسات الإسلامية والعربية ، وشُهرتُها تُغني عن التفصيل .

ننتقل الآن إلى الجهود الفرديَّة في هذا المَجال ، فقد اشتهر في الهِند علماء ومُحقِّقون اشتغلوا بتحقيق التراث العربي ، ووقفوا حياتَهم لِنَشره ، وغلب عليهم حبه وخدمته ، فبذلوا في سبيله كلَّ غالٍ ونفيس ، وهؤلاء يزيد عددهم على خمسين عالِمًا ، حسب ما تتبَّعتُ آثارهم وتحقيقاتِهم ، منهم من اتَّخذ لنفسه منهجًا مستقِلاًّ في التحقيق دون التأثُّر بِمَناهج المستشرقين والعرب ، ومنهم من اتَّبع منهج المستشرقين وأضاف إليه بعضَ الأمور ، ومنهم من تخرَّج في الجامعات العربية ، واتبع منهج التحقيق المتَّبَع فيها .

ويُمكن تقسيمُهم أيضًا إلى مجموعاتٍ حسب العلوم والفنون التي اهتمُّوا بِمخطوطاتِها ، فمنهم من اهتمَّ بعلوم الشريعة من الحديث والتفسير والفقه ، ومنهم من عُنِيَ عنايةً خاصَّة باللُّغة والأدب والشِّعر ، ومنهم من حقَّق كتب التاريخ والفلسفة والطِّب وغيرها .

ولا يُمكن لنا في هذه العجالة أن نستعرض جهود هؤلاء جميعًا في مجال التحقيق ، وإنما نقتصر على ذكر أعلام المحقِّقين الكبار الذين دَوَّتْ شهرتُهم في الآفاق ، وطار صيتُهم في العالَم ؛ لِما قدَّموا إلى المكتبة العربية من جلائل الأعمال في مَجال تحقيق التُّراث العربي الإسلامي ، وما قاموا به من خدمةٍ لأمَّهات المصادر وإخراجها إلى النُّور لأول مرة .

وقد وقع اختياري على عشرةٍ منهم ، قام بعضُهم بتحقيق كتب الحديث وعلومه ، واشتغل بعضُهم بكتب اللُّغة والأدب والشِّعر ، وانصرف بعضُهم إلى كتب التاريخ والأنساب وغيرها ، وسوف أقتصر على ذِكر أهمِّ الملامح والخصائص لبعض ما حقَّقوه ونشَروه دون استيعاب ؛ لعلَّها تكون كافيةً لِمَعرفة ما تَميَّز به كلِّ واحدٍ منهم .

كان العلاَّمة المحدِّث أبو الطيِّب "محمد شمس الحق العظيم آبادي" (ت 1329 هـ/ 1911 م) مِن أوائل مَن اهتمَّ بكتب الحديث ، وصرَف أموالاً كثيرة لشرائها ، وجمع مكتبة كبيرة تَحتوي على نوادر المَخطوطات ، آلَت أخيرًا إلى مكتبة "خدابخش خان" في "باتنه" ، وهو الذي نَشَر لأول مرَّة "سنن الدَّراقطني" بتعليقه الذي سمَّاه "التعليق المُغني" ، خرج فيه أحاديثَه وتكلم على أسانيدها .

وكان له اهتمامٌ كبير بـ"سنن أبي داود" ، فجمَع إحدى عشرةَ نسخةً خطِّية منه ، وحقَّقه بالاعتماد عليها، وميَّزَ رواية "اللؤلؤي" للكتاب عن غيرها ، بالرُّجوع إلى "تُحفة الأشراف" وغيره من المصادر المخطوطة آنذاك ، وكانت نُسَخ الكتاب مُختلِطة ، فميَّز بينها ، وأثبت الأحاديثَ الزَّائدة مع الإشارة إليها ، ثم شرح الكتاب شرحًا متوسِّطًا سَمَّاه "عَوْن المعبود على سُنن أبي داود" ، وهو معروفٌ بين طلبة العلم وأهله ، وألَّف شرحًا آخَر مطوَّلاً سَمَّاه "غاية المقصود" لَم يُطبع منه في حياته إلاَّ جزء واحد ، ونُشِر بعده جزءان آخران ، ولو تَمَّ لكان في اثنين وثلاثين جزءًا ، وقد نَشر في مقدمة هذا الشَّرح "رسالة أبي داود إلى أهل مكَّة" لأوَّل مرة ، كما نشر قطعةً من "مُختصر السُّنن" للمنذري ، و"تهذيب السنن" لابن القيِّم بِهامش الشَّرح لأوَّل مرة .

وقد نَشر "العظيم آبادي" كتبًا أخرى بتحقيقه مثل "خَلْق أفعال العباد" للإمام البخاري ، و"إسعاف المبطَّا برجال الموطَّا" للسيوطي وبعض رسائل شيخه المحدِّث "حسين بن محسن الأنصاري" ، وغيرها ، وقد عرَّفتُ بها وبغيرها في كتابي "حياة المحدِّث شمس الحق العظيم آبادي وأعماله" ، المطبوع في "بنارس" بالهند .

ومن الذين خدموا كتب السُّنة ونشروها - على قلَّةِ المال والوسائل اللازمة - العلاَّمة المحدِّث عبدالتواب الملتاني (ت 1366 هـ / 1947 م) ، وهو الذي نشر ثلاثة أجزاء من "مصنَّف ابن أبي شيبة" لأوَّل مرة ، كما حقَّق "مُختصر قيام الليل ، وقيام رمضان ، وكتاب الوتر"، لـ"محمد بن نصر المروزي" (اختصار "المقريزي")، و"مسند عمر بن عبدالعزيز" للباغندي ، و"تحفة المودود بأحكام المولود" لابن القيم ، و"حاشية السندي على صحيح مسلم" ، وغيرها من كتب السُّنة التي تقارب عشرين كتابًا ، وكلُّها طُبِعَت طبعاتٍ حجريَّة ، وقد قام بتصحيحها والتعليق عليها ، ونقل فوائد نادرة من كتب الحديث والتاريخ والرِّجال .

أما الشيخ "عبدالصمد شرف الدين" (ت 1416 هـ / 1996 م)، فقد اشتهر بِنَشره "تُحْفة الأشراف" للمزِّي نشرةً علميَّة رائعة في 14 مجلَّدًا، وكلُّ مَن يطَّلع عليه يجد أنه تَميَّز بخصائص لا توجد في الكتب المطبوعة ، منها استخدام المحقِّق لنجمة أو نجمتين أو ثلاث ؛ لبيان طبقات الرُّواة ، وتكبير الحروف وتصغيرها بطريقة معيَّنه ، وترقيم كلِّ طرَفٍ ووَضْع رموز كتب الحديث تحته ، والإشارة إلى مواضع الأحاديث في كتب السنَّة بذِكْر الكتاب ورقم الباب بين الأقواس في المَتْن ، وطبع "النُّكت الظِّراف على الأطراف" لابن حجر في المواضع المنقودة بِهامش الكِتاب ، والتعليق على بعض المواضع ؛ للتنبيه على خطأ ، أو تحريفٍ ، أو سقط ، وسرد جميع الكتب والأبواب للكتب السِّتة وترقيمها في مجلَّد مستقِلٍّ ؛ لتسهيل الرُّجوع إليها، والإحالة عليها .

وفي أثناء القيام بتحقيق ­"تُحفة الأشراف" بحث عن "السُّنن الكبرى" للنَّسائي ، الذي اعتمده المزِّي دون الصغرى ، فجمع نسخه الخَطِّية ، وقام بتحقيقه ، ونشر ثلاثة مجلدات منه لأول مرة .

وللشيخ "عبدالصمد" عنايةٌ خاصَّة بكتب شيخ الإسلام "ابن تيميَّة" ، فهو الذي نشر لأوَّل مرَّة "الردُّ على المنطقيِّين" ، و"مَجموعة تفسير شيخ الإسلام لستِّ سور" ، و"قاعدة في أنواع الاستفتاح في الصَّلاة" ، وعلَّق عليها تعليقاتٍ دقيقةً تدلُّ على اهتمامه بتراث الشيخ، وتَحقيق الموضوعات التي تناولَها ، أَذكُر منها تعليقًا يتعلَّق بكسوف الشمس ، حيث ردَّ شيخُ الإسلام على الواقديِّ ومَن تابعه مِن الفقهاء في تاريخ الكسوف في عهد النبِيِّ - صلى الله عليه وسلَّم - عند موت ابنه إبراهيم ، وذكر أنَّه مبنيٌّ على الحساب عند الفلَكيِّين ، فلا يُوثق بما يُخالف حسابَهم ، فرجع المحقِّق إلى أحد الهندوس المتخصِّصين في علم الفلَك ، وطلب منه أن يستخرج بالحساب تاريخَ الكسوف في عهد النبِيِّ - صلى الله عليه وسلَّم - فأظهر له بعد العمَلِيَّة الحسابية ما كان فيه ردٌّ على الواقدي ومَن تابعه ، وتأييدٌ لما ذكَره شيخُ الإسلام .

ومن المحقِّقين الكبار الذين خدموا السُّنة : العلاَّمة المحدِّث "حبيب الرحمن الأعظمي(ت 1412 هـ / 1992 م) ، فقد حقَّق مجموعةً من أُمَّهات كتب الحديث ، وعلَّق عليها تعليقاتٍ مفيدةً، منها : "مسند الحُمَيدي" ، و"السنن والآثار" لسعيد بن منصور ، و"مصنَّف عبدالرزَّاق" في 11 مجلدًا ، وأربعة أجزاء من "مصنف ابن أبي شيبة"، و"الزهد والرقائق" لابن المبارك ، و"المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية العالية" لابن حجر ، و"كشف الأستار عن زوائد مسند البزَّار" للهيثمي ، و"تتمَّة جامع الأصول" لابن الأثير ، وهي الفَنُّ الثالث من الكتاب الذي لم يكن منشورًا .

ومما يُذكر عن اهتمامه بكتب الحديث وحرصه عليها وشغَفِه بِها :
 أنه وجد عند أحدٍ مخطوطةَ كتاب "كشف الأستار" (المكتوبة سنة 780 هـ) ، فبذل له ما طلب من المال ، واشتراه منه ، كما عثر على نسخة خطِّية من "مسند الحارث بن أبي أسامة" الأصل في بلاد الهند، فنسخه ليحقِّقه ، وحالت وفاتُه دون إخراجه .

ومنهجه في التحقيق والتعليق يتلخَّص في أنه يُثْبِت النصَّ في ضوء النُّسَخ المتوفِّرة لديه مع مُراجعة المصادر الأخرى ، ويخرِّج الأحاديث والآثار تخريجًا مُختصرًا ، ويشير إلى المصادر والكتب بالرموز ، وينبِّه على بعض الأوهام والأخطاء باختصار ، ولا يُثبت من الفروق بين النُّسَخ إلاَّ المهمَّ منها ، ويجتهد في تصحيح الأخطاء وإكمالِ النَّقص ؛ لتستقيم العبارة ، ومع ذلك فقد بقيت في بعض الكتب التي حقَّقها أخطاءٌ في الأسانيد والمتون ؛ بسبب رَداءة النُّسَخ التي كانت متوفرةً لديه ، وخاصَّة في "مصنف عبدالرزاق" و"مسند الحميدي" ، وقد استدرك بعضَ الأخطاء عندما وصلَتْ إليه صورةٌ من نسخة الظَّاهرية القديمة من "مسند الحميدي" ، فألحق بالكتاب تصحيحها ، ولكنه لم يتمكَّن من استدراك جميع الأخطاء ، وتغيير التعليقات التي تمَّ تنضيد حروفها من قبل ، وهو معذور في ذلك ومأجورٌ - إن شاء الله .

خامس هؤلاء الأعلام : الشيخ "أبو الوفاء الأفغاني" (ت 1395 هـ / 1975 م) الَّذي استقرَّ في "حيدر آباد" ، وأنشأ "لجنةَ إحياء المعارف النُّعمانية" فيها ؛ لِنَشر تراث أئمَّة الحنفيَّة الأوائل ، ومن أهمِّ الكتب التي حقَّقها ونشرها : كتاب "الآثار" ، و"اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى" ، و"الرد على سِيَر الأوزاعي" - الثلاثة لأبي يوسف .

وكتاب "الآثار" وكتاب "الأصل" كلاهما لِمُحمَّد بن الحسن الشيباني ، و"مختصر الطحاوي" ، و"أصول السَّرَخسي" ، و"شرح كتاب النفقات" للخصاف (تأليف الصدر الشهيد) .

ومنهجه في التحقيق : أنه يأتي إلى الأحاديث والآثار والمسائل ، فيخرِّجها من بطون الكتب والمصادر ، وينقل نقولاً مطوَّلة منها ، وقد أطال جِدًّا وأفاد في تعليقه على كتاب "الآثار" لمحمد ، وكتاب "الأصل" له، فلم يتمكَّن من إكمال تحقيقهما على هذا المنوال .

وقد قدَّم لهذه الكتب التي حقَّقها مقدِّمات طويلةً ، بيَّن فيها مكانتها وأهميتَها ، وترجم لمؤلِّفيها، ووصف النُّسَخ الخَطِّية التي اعتمد عليها ، ومِمَّا يُؤخذ عليه أنَّه استَلَّ كتاب "اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى" و"الرَّد على سير الأوزاعي" من كتاب "الأُمِّ" للشافعي بِحَذف ردِّ الشافعي على أبي يوسف ، دون الإشارةِ إلى ذلك ، ولم يذكر في المقدِّمة نُسَخَها الخطية ؛ فإنَّه لا وجود لها في مكتبات العالَم ، والأمانة العِلميَّة تقتضي التصريح بأنَّهما مأخوذان من كتاب "الأم" ، وتقتضي إثباتَ تعقيبِ الشافعي على مسائل الكتابَيْن ، ثم مناقشته في الحواشي .

نكتفي بِهَؤلاء الأعلام الخمسة في مجال الحديث والفقه ، وننتقل الآن إلى خمسةٍ آخرين اشتهروا في مجال اللُّغة ، والأدب ، والتاريخ ، والأنساب ، وما إليها ، وهم : العلاَّمة "عبدالعزيز الميمني الراجكوتي" (ت 1398 هـ / 1978 م) ، والعلامة "محمد بن يوسف السورتي" (ت 1361 هـ / 1942 م) ، والأستاذ "امتياز علي عرشي" (ت 1401 هـ / 1981 م) ، والدكتور "محمد حميد الله" (ت 1423 هـ / 2002 م) والأستاذ الشيخ "أبو محفوظ الكريم المعصومي" (ت 1430 هـ / 2009 م) .

أما "الميمني" : فهو معروفٌ في الأوساط العلميَّة بأبحاثه وتحقيقاته ، وقد حقَّق ما يُقارب ثلاثين كتابًا ورسالة في اللُّغة والأدب وغيرهما ، ونبَّه على نوادر المخطوطات الموجودة في مكتبات الهند وتركيا والبلاد العربية التي زارها عدَّة مرات .

وأهَمُّ أعماله : تحقيقه لكتاب "اللآلي شرح أمالي القالي" لأبي عبيد البكريِّ بتعليقاته التي سَمَّاها "سمط اللآلي" ، وهو "الكتاب الذي لا يُدانيه كتابٌ في التحقيق" كما قال العلاَّمة "محمود محمد شاكر" ؛ وذلك لأنه خرَّج فيه الشِّعر تخريجًا علميًّا دقيقًا مع ذكر اختلاف النِّسبة والرواية ، وحقَّق أنساب الشُّعراء وغيرهم ، مع ذِكْر مصادر ترجمتهم ، وبيان ما فيها من أوهامٍ ، وأشار إلى مصادر الأخبار ، والقصص ، والأيَّام ، والأمثال ، وناقش "البكريَّ" في كثيرٍ مِمَّا ذكَره ، ودافع عن "القالي" بالحُجج والبراهين .

وفي تعليقاته فوائد علميَّة كثيرة أخرى ليس هذا مكان استقصائها ، ومِمَّا يدلُّ على تَمكُّنه في اللغة والأدب أنه ذَيَّل على كتاب "اللآلي" ، فشرح على منواله "ذيلَ أمالي القالي" و"صلةَ الذيل" في آخر الكتاب ؛ لأنَّ البكريَّ لم يشرح إلاّ "الأمالي" ، ثم صنع لـ"سمط اللآلي" فهارس على غرارٍ مبتكَر مفيد ، تكشف عمَّا فيه من الشِّعر والشُّعراء ، والتراجم والأمثال .

وثاني أعماله بعد "سمط اللآلي" : تَحقيقُه لكتاب "التنبيهات على أغاليط الرُّواة" لعلي بن حمزة البصري ، الذي ناقش في تعليقاته آراء المؤلف ، وردَّ عليها ، وكان حَكَمًا في القضايا التي اختلف فيها اللُّغويون ، واحتجَّ لِما ذهب إليه ، وأورد من الشواهد والحجج ما يُقنع الباحث المنصِف ، وعمل للكتاب فهارس معقَّدة ؛ لئلاَّ يستولي عليها الأغرارُ كما فعلوا مع فهارس "السمط" ، فاستخرجوا الفوائدَ المنثورة في تعليقاته بواسطتها دون الإشارة إليها ، وهذا ما جعل المحقِّق يَعزف عن صنع الفهارس الميسَّرة .

ومن الكُتُب التي حقَّقها ونشرها : "ديوان حميد بن ثور الهلالي" ، و"ديوان سحيم عبد بني الحسحاس" ، والقصائد والدواوين المجموعة في "الطَّرائف الأدبية" ، و"الفاضل" ، و"نسب عدنان وقحطان" ، و"ما اتَّفق لفظه واختلف معناه" الثلاثة للمبرِّد ، وجمعَ زيادات "ديوان شعر المتنبي" وفائِت شعرِ أبي العلاء .

وقد جمعت بحوثه وتحقيقاته ونقده للكتب والمطبوعات في كتاب "بحوث وتحقيقات للعلاَّمة عبدالعزيز الميمني" نشرَتْه دار الغرب الإسلامي في بيروت .

وأما العلاَّمة "السورتي" : فقد كان من زملاء "الميمني" في الدِّراسة والتحصيل ، وربما يفوقه في معرفة الحديث والرِّجال والأنساب ، وكان يَحفظ مثل "الميمني" ما يقارب مائتي ألف بيت من الشِّعر ، واشتغل بِنَسْخ المخطوطات ، وجمع نوادر الكتب ودراستها ، وقد حقَّق  "جَمهرة اللُّغة" لابن دُرَيد ، و"الأفعال" لابن القطاع ، و"الكفاية" للخطيب البغدادي ، وكلُّها منشورةٌ بدائرة المعارف العثمانيَّة .

ورأيتُ بِخَطِّه "جوامع السيرة" لابن حزم ، وغيرَه من الكتب ، وكان عنده "الإكمال" لابن ماكولا و"جمهرة أنساب العرب" لابن حزم ، ومصادِر أخرى استفاد منها في نَقْده اللاَّذع لـ"سمط اللآلي" بعد صدوره، فانبرى للردِّ عليه "الميمني" ، ومع ذلك فقد اعترف ببعض الأوهام والأخطاء التي وقع فيها .

وقد توُفِّي العلاَّمة "السورتي" في "علي كره" ، وعاش بعده "الميمنِيُّ" أكثرَ من ثُلث قرن ، وكان أحيانًا يَمرُّ بقبره مع بعض تلاميذه ، فيقول : "هذا قَبْر جبَلِ العلم" ، وفي هذا اعترافٌ كبير بعلمه وفضله - رَحِمَهما الله رحمةً واسعةً .

وأما الأستاذ "امتياز علي عرشي" : فهو من تلاميذ "الميمني" ، وكان مديرًا لمكتبة رضا الشهيرة في مدينة رامفور ، قام بفهرسة مَخطوطاتِها ، واطَّلع على النوادر الموجودة فيها ، فكتب مقالاتٍ وأبحاثًا في التعريف بها ودراستها في المجلاَّت العلميَّة باللُّغة الأُردية ، واشتهر في الأوساط العلميَّة في البلاد العربية بعدما حقَّق "تفسير سفيان الثَّوري" ، ونشَره نشرًا علميًّا ممتازًا ، بالاعتماد على نسخةٍ فريدة منه عثر عليها في مكتبة رامفور ، وهو من أقدم كتب التَّفسير الَّتي وصلَتْنا ، عكَف عليه المُحقِّقُ فترةً ، وقام بتخريج الروايات والآثار ، وترجم للمؤلِّف ترجمةً مفصَّلة ، وحقَّق نسبة الكتاب إليه ، وترجم لجميع الرِّجال المذكورين في الكتاب ، مع ذِكْر المصادر المطبوعة والمخطوطة "التي تزيد أحيانًا على خمسين" ، مرتَّبةً على التاريخ ، وألحق هذه التراجم بآخر الكتاب مُرتبةً على الطبقات .

ومن الكُتُب الأخرى التي حقَّقها : "ديوان أبي محجن الثقفي" ، و"ديوان الحادرة الذبياني" ، و"الأجناس من كلام العرب" لأبي عبيد ، و"الأخبار" للجاحظ ، و"مرسوم الخط والمقطوع والموصول" لابن الأنباري ، و"الأمثال السائرة من شعر المتنبي" للصاحب بن عبَّاد ، وبعض هذه الطبعات غير معروفةٍ في البلاد العربيَّة ، وتظهر أهميتها بمقارنتها مع الطبعات المتداولة ؛ فقد كان الأستاذ "عرشي" دقيقًا في إثبات النصِّ ، والتعليق عليه ، وعمل الفهارس اللاَّزمة ، ويقوم أخونا المحقِّق الفاضل الدكتور/ "محمد أجمل الإصلاحي" بِجَمْع بحوثه وتحقيقاته المتناثرة ؛ ليستفيد منها الباحثون في البلاد العربية .

والدكتور "محمد حميد الله" : أشهر من أن يُعرَّف به ، وقد كان مولعًا بالبحث عن نوادر المخطوطات في مكتبات تركيا وأوربا ، وهو الذي اكتشف نسخة "السُّنن والآثار" لسعيد بن منصور ، وحقَّق "صحيفة هَمَّام بن منبِّه عن أبي هريرة" من أوائل ما دُوِّن في علم الحديث . وحقَّق القطعتين الموجودتين من أصل "سيرة ابن إسحاق" .

ومن الكتب التي حقَّقها : الجزء الأول من "أنساب الأشراف" للبلاذري ، و"الذَّخائر والتحف" للرشيد بن الزبير ، و"معدن الجواهر بتاريخ البصرة والجزائر" لنعمان بن محمد ، وشارك في تحقيق كتاب "الأنواء" لابن قتيبة ، و"المعتمد في أصول الفقه" لأبي الحُسَين البصري ، و"المُحبَّر" لمحمد بن حبيب ، وجمع النصوص الباقية من الجزء المفقود من كتاب "النبات" لأبي حنيفة الدِّينَوَرِي من مصادر مختلفة ، أهمها "تاج العروس" للزبيدي .

كان الدكتور "محمد حميد الله" يهتمُّ بتحقيق النصِّ وضَبْطِه ، مع الإشارة أحيانًا إلى بعض المصادر الأولى التي تَذكر الأخبار أو الموضوعات التي يَحويها الكتاب ، ولا يتوسَّع في ذلك ، وكان جلُّ هَمِّه أن يُخرج الكتاب إخراجًا سليمًا ، ويُستثنى من ذلك كتابه "مجموعة الوثائق السياسية" ، فقد استقصى فيه بعدَ كلِّ وثيقة ذِكْر جميع المصادر المخطوطة والمطبوعة ، بالعربيَّة والفارسية والأردية واللُّغات الأوربية ، وحَصْر جميع الفروق الدَّقيقة والجليلة فيها ، مع ذِكْر الدراسات والبحوث المتعلقة بالوثائق ، وهذه المجموعة لا نظير لها فيما جُمع ونُشر من كتب الوثائق الإسلامية ، فهو الذي فتح هذا الباب ، ثم ولجه الناس ، وأقوم الآن بجمع بُحوثه ومقالاته بالعربية ، يسَّر الله إتمامه .

وخاتمة هؤلاء الأعلام : العلاَّمة الشيخ "أبو محفوظ الكريم المعصومي" الذي قام بنشر بعض النُّصوص النادرة مثل ديوان "الرستميات" و"شرح الألفات" لابن الأنباري ، و"مسألة صفات الذَّاكرين والمتفكِّرين" لأبي عبدالرحمن السلمي ، وبعض رسائل "مرتضى الزبيدي البلكرامي" ، إلاَّ أنه اشتهر بالاستدراك والنَّقد لبعض الدَّواوين وكتب التراث التي حقَّقها مشاهير المُحقِّقين ، فهو بِهذا قد شاركهم في تحقيقها وتقويم أودها ، ومن أهمِّ هذه الاستدراكات والتصحيحات نقده لثلاثة أجزاء من "سِيَر أعلام النُّبلاء" للذَّهبِي بتحقيق الدكتور صلاح الدين المنجد ، ونقده لـ"سمط اللآلي" و"ديوان حميد بن ثور الهلالي" ، وقصيدة العروس (كلها بتحقيق العلامة "الميمني") ، ونقده لـ"ديوان ابن الدمينة" بتحقيق الأستاذ "أحمد راتب النفاخ" ، و"ديوان جميل بثينة" بتحقيق الدكتور "حسين نصار" ، و"ديوان بشر بن أبي خازم" و"ديوان ابن مقبل" (كلاهما بتحقيق الدكتورة/ "عزة حسن") . 

وكان للأستاذ "المعصومي" فضْلُ السَّبق إلى التعريف بمخطوطة "التعليقات  والنوادر" لأبي علي الهجري (نسخة الجمعية الآسيويَّة في كلكتا) ، وشكر له العلامة "حمد الجاسر" هذا الصنيع ، واعترف له بالفضل ، وقد فرغ أخونا المُحقِّق الدكتور "محمد أجمل الإصلاحي" من جمع بحوثه ومقالاته في مجلَّدين نشرا من دار الغرب الإسلامي ببيروت ، فجزاه الله خيرًا .

هذا استعراضٌ سريع لما قام به أعلامُ المُحقِّقين في الهند في مجال تحقيق التراث ونَشْرِه ، وقد خلَتِ البلادُ الآن من أمثال هؤلاء العلماء ، والمرجو من الجامعات ومراكز البحوث أن تُكَثِّف جهودَها لتدريب الطُّلاب والباحثين على تحقيق المخطوطات ونشرها ، وفهرسة ما تناثَر منها ، والتعريف بها ودراستها ، وترجمة المهمِّ منها إلى اللُّغات الهندية والأوربِّية ، وتخصيص مِنَح دراسية لمن يقوم بتحقيق مؤلَّفات العلماء الهنود باللُّغة العربيَّة عبر القرون ، وتعريب ما ألَّفوه بِغَيرها .

وفَّقنا الله جميعًا لخدمة ديننا وتُراثنا ، إنَّه سميع مجيب .


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Culture/0/30573/#ixzz2oWt9rEML

الثلاثاء، 24 ديسمبر 2013

فتـح الديبل والسند



في خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان أرسل ملك جزيرة الياقوت ( سرانديب ، سيلان) سفينة إلى الحجاج بن يوسف الثقفي أمير العراقين، محملة بالتحف والهدايا من الدر والياقوت والجواهر الثمينة والعبيد، مع نسوة ولدن في بلاده مسلمات ومات آباؤهن، وكانوا تجــاراً ، فأراد التقرب بهن إلى قطب العالم آنذاك ومحوره الخليفـة الأمـوي .
حيث أرسل إلى دار الخـلافة بدمشـق بالإضـافة إلى ما سبق تحفاً وطــرائف لا مثيل لها ، كما كان هدف النســاء المسلمات زيارة الكعبة المشرفة ، وهبت رياح عاتية فقذفت بالسفينة إلى سواحل ( الديبل ) – بلدة على ساحل ماء السند تبعد 50 كم جنوب شرق ( كرا تشي ) – حيث كان يقطـنهـا مجموعة من القراصنة فهاجموا السفينة ، وقتلوا بعض ركابها وبحارتها ، وأخذوا الباقين من النساء والرجال والأطفال أسرى ، كما سلبوا جميع التحف والأموال، فصـاحت امرأة من بين الأسرى : يا حجاج يا حجاج أغثني أغثني ، وفر بعض النـاس والتجـار من الذين كانوا على متن السفينة ، وجاء بعضهم إلى الحجاج وذكروا له ما حدث ، مع استغاثة تلك المرأة به فقال : لبيك لبيك .
فكتب الحجاج إلى داهر بن صصة ملك السند بإرجاع النساء والتحف إلى دار الخلافة ،فرد عليه داهر : إن هذه الطائفة مجموعة من اللصوص والخارجين عن سلطتنا ، وهم أشـرار أقوياء ، لا يستطيع أحد ملاحقتهم والتغلب عليهم.
فكتب الحجاج رسالة إلى الخليفة يطلب فيها الإذن بغزو السند والهند ، ولكن الوليد لم يأذن له فكرر الحجاج طلبه حتى وافق الخليفة ، فأرسل الحجاج عبد الله بن نبهان السلمي لفتح الديبل فاستشهد ، ثم أرسل بديل بن طهفة البجلي بثلاثة آلاف فاستشهد ، فحـزن الحجـاج حتى قال لمؤذنه : يا مؤذن اذكر اسم بديل كلما أقمت الأذان ، لأتذكره وآخذ بثأره . 
واستأذن الحجاج الخليفة في إرسال جيش كبير ومنظم لغزو السند فوافق، فعين الحجاج محمد بن القاسم الثقفي الذي كان عمره آنذاك سبعة عشر عاماً ، وطلب من الخليفة ستة آلاف مقاتل من أشراف الشام وأبنائهم فجاءه العدد الذي طلبه .
ووصى الحجاج محمد بن القاسم قائلاً : اخرج عن طريق ( شيراز) ، واطو المنازل واحداً تلو الآخر، حتى يأخذ منك الغضب مأخذاً شديداً . وجهز الحجاج الجيش بكل ما احتاج إليه حتى الخيوط والقطن المحلوج ، وسير محمد بن القاسم ، وأمره أن يقيم بمدينة شيراز من أرض فارس كي يلتحق به جند الشام والعراق ، فتحرك ، فلما وصـل شـيراز عسكر بظاهرها .
وأمر الحجاج بجمع ما هو موجود من المنجنيقات والسهـام والرماح ووضعها في السـفن الحربية ، وعين علها قائدين من خيرة القواد ، وكتب إلى محمد بن القاسم أن ينتظر وصـول السفن إلى الديبل، وبعد استكمال الاستعدادات في شيزر ووصول ستة آلاف فارس وثلاثة آلاف بعير لحمل الأثقال والعتاد انطلق محمد بن القاسم ومعه اثنا عشر ألف مقاتل إلى الشرق حتى وصل (مكران) ، فأقام بها أياماً ، ثم توجـه منها إلى (فنزبور) ، ثم إلى (أرمائيـل) ، وهناك وصلت السفن .
ونزل ابن القاسم بعد ذلك في سواد الديبل ، وحفر الخـنادق ، ورفع الرايات والأعـلام ، ونصب المنجنيقات ، ونصب منجنيقاً يعرف بالعروس كان يعمل لتشغيله خمسـمائة رجل ، وكان في وسط الديبل معبد كبير للأصنام تتوسطه قبة عالية ترفرف عليها راية خضـراء ، وكان ارتفاع المعبد أربعين ذراعاً وسعة القبة أربعون ذراعاً وارتفاع الراية مثلها وكان للراية أربعة ألسن تتطاير في الهواء ، ودعا ابن القاسم أمير جـند منجـنيق العروس وقال له : إذا أمكنك أن تكسر رأس معبد الأصنام هذا وعمود الراية التي ترفرف فوقه أعطيتك عشرة آلاف درهم .
وفي اليوم المحدد للقتال بدأ أمير المنجنيق الرمي ، وطارت راية المعبد وبعض قاعدته ، ثم رمى الحجر الثاني فأصاب قبة المعبد فانهارت تماماً ، وفي الحجر الثالث أصبح أنقاضاً مع الأرض سواء ، ثم قرعت الطبـول في الديبل، وبدأ هجوم الجيش هجـمة واحدة ، وثلم المنجنيق سور الديبل فوصل المجاهدون إلى أعلى السور وأبراجه ، ثم فتح أهل الديبل أبواب مدينتهم وطلبوا الأمان ، فدخلها ابن القاسم واستباحها ثلاثة أيام ، وتوجه إلى السـجن الذي ضم الأسرى المسلمين فحررهم ووضع بدلاً عنهم مجموعة من قراصنة الديبل .
ثم توجه ابن القاسم إلى فتح ( نيرون ) – وموقعها الآن حيدرآباد - عبر مياه السند في ستة أيام ، وحينما وصلها أرسل حاكمها رسولين محملين بالغذاء والأعلاف ، وفتح لابن القاسم باب المدينة ، وأخذ يبيع ويشتري البضائع مع جيش المسلمين ، ودخل ابن القاسم المدينة ، وهدم معبد الأوثان ، وبنى مكانه مسجداً ، ثم سار إلى حصن ( سيوستان ) المدينة المحصنة المرتفعة ، وأراد أهل المدينة الأمان ولكن حاكم المدينة رفض بشدة واستعد للحرب ، ونصب ابن القاسم المنجنيقات وبدأ الحصار ، وحينما تيقن حاكم المـدينة من الهزيمة وضاق ذرعاً بالحصار فر ليلاً ففتحت المدينة أبوابها .
ثم سار ابن القاسم نحو حصن (سيويس) وفتحه ، ثم عاد إلى نيرون ، واتخذ قراره بعبـور نهر مهران للقاء داهر ملك السند ، وأرسل رسولين له لدعوته للطاعة فرفض ، وعندئذ تخير ابن القاسم أفضل معابر النهر وهيأ السفن لذلك ، وخلال هذه المراسلات والاستعدادات التي استمرت خمسين يوماً نفدت أرزاق المسلمين ، وقلت أعلاف الخيل والدواب ، ونفق عدد من الخيل بعد إصابتها بالجذام ، واشتكى الجيش من قلة الغذاء ، فاضطر الجند إلى أكل لحوم الخيل المريضة ، فكتب ابن القاسم رسالة للحجاج بالأوضاع فأرسل له الحجاج ألفي حصان ملكاً للمجاهدين وليست عارية مسترجعة .
ثم تجول ابن القاسم ليرى أفضل وأضيق مكان للعبور على نهر مهران، ثم أمر بإحضـار السفن وربط بعضها ببعض ليصنع منها جسراً للعبور ، وتقدمت جماعة من جند داهر وقادته ليمنعوا ابن القاسم من ربط أجزاء النهر ، ولما وصلت طلائع السفن على مقربة من الساحل الشرقي بدأ المقاتلون المسلمون برمي السهام والرماح بكثافة ، مما أدى لتراجع قوات داهر مما سهل عبور الجيش المسلم ، وفر جند داهر ، وسار ابن القاسم إلى منطقة (جيور) ، ونزل بجيشه على مقربة من نهر ( ددهاواه ) ، والتحم الجمعان من بداية الصباح وحتى المساء ثم تراجع كل إلى موضعه ، وكان عدد الفيلة ستين فيلاً وقيل مائة، وكان داهر على أكبرها ، وقد عملت في المسلمين الأفاعيل .
وظل الحال هكذا خمسة أيام ، وفي اليوم السادس غير الجيشان تنظيم صفوفهما ، وفي اليوم السابع شجع ابن القاسم رجاله وحرضهم على القتال ، وبدأت سهام المسلمين المشتعلة بالنار تتساقط على هودج داهر، ورمى أحد الرماة بسهمه فأصاب قلب الهودج وأشعل فيه النار، فعاد جيش داهر بفيله إلى الوراء وقد اشتعل بالنيران وسقط معه في الماء، وعندها وصل الفرسان المسلمون إليه وقد تشردم جيشه من حوله وحلت به الهـزيمة ، وحـاول داهر الخروج من الماء فصوب إليه أحد الرماة المسلمين المهرة سهماً فأصابه ولكنه تحامل على نفسه وتمكن من الظهور من الماء ، فتقدم منه عمرو بن خالد الكلابي فعلاه بسيفه وضرب به رأس داهر فشقه نصفين حتى الرقبة ، وتتبع المسلمون فلول جيش داهر المقتول حتى حصن ( راؤر ) ففتحوه ، ثم فتح ابن القاسم مدين ( دهليله ) ، ثم توجه إلى ( برهمناباذ) ففتحها وأعطى أهلها الأمان الذي طلبوه ، وفرض الجزية على من لم يسلم ، ثم عين البراهمة في المناصب التي تناسبهم وخصص لهم المال ، وأجلسهم في المحافل في الأماكن التي كانت مخصصة لأمراء الهند وملوكها ، وأعطى لعوام الناس الأمان في ممارسة طقوسهم الدينية .
ثم واصل محمد بن القاسم جهاده ففتح العديد من المدن بعضها صلحاً وبعضها عنوة ، وكان أهمها مدينة ( ملتان ) - وهي أعظم مدن السند الأعلى وأقوى حصونه - فامتنعت عليهم شهوراً نفدت خلالها مؤنتهم فطعموا الحمر حتى أتاهم رجل مستأمن دلهم على مدخل الماء الذي يشرب منه السكان فقطعوه عليهم ، وقاتل الهنود المسلمين قتالاً شديداً استمر سبعة أيام اقتحم المسلمون الأسوار من بعدها وفتحوا الملتان ، وكان في كل مدينة يفتحها يبني المساجد والمنابر ، حتى وصلت فتوحاته إلى حدود كشمير ، واستطاع أن يخضع السند لحكم الخلافة الإسلامية في مدة لم تتجاوز ثلاث سنين فقط .
وأصاب محمد مالاً كثيراً وعظمت فتوحاته ، فراجع الحجاج حساب نفقاته على هذه الحملة فكانت ستين ألف ألف درهم ، فحمل إليه محمد ابن القاسم ضعف هذا المبلغ ، فقال الحجاج : ( شفينا غيظنا ، وأدركنا ثأرنا ، وازددنا ستين ألف ألف درهم ورأس داهر ) .
لقد أنجز محمد بن القاسم الثقفي هذا الفتح كله بين سنة تسع وثمانين وسنة أربع وتسعين للهجرة ، فأي عظمة في هذا القائد ، وأي عظمة في هؤلاء الجند الفاتحين ، وأي سر في هذا الدين العظيم .
_______________________________
مصدر الخريطة : اطلس التاريخ العربي والإسلامي للدكتور شوقي أبوخليل رحمه الله تعالى .