بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 9 سبتمبر 2019

الكلاب في أمثال العرب


كانت العرب تسمي الكلب داعي الضمير، وهادي الضمير، وداعي الكرم، ومتمم النعم، ومشيد الذكر، لما يجلب من الأضياف بنباحه.
والضمير: الضيف الغريب، من أضمرته البلاد إذا غيبته؛ وكانوا إذا اشتد البرد وهبّت الرياح ولم تثبت النيران فرقوا الكلاب حوالي الحيّ وجعلوا لها مظالّ، وربطوها إلى العمد لتستوحش فتنبح فتهدي الضلّال.
(ابن حمدون (المتوفى: 562هـ): التذكرة الحمدونية)

(آلف من كلب)
وَذَلِكَ أَن صَاحب الْمنزل إِذا رَحل عَنهُ لم يتبعهُ فرس وَلَا بغل وَلَا ديك وَلَا دجَاجَة وَلَا حمامة وَلَا هرة وَلَا شَاة وَلَا عُصْفُور وَلَا شَيْء مِمَّا يعايش النَّاس إِلَّا الْكَلْب فَإِنَّهُ يتبعهُ حَيْثُ يمْضِي ويحميه ويؤثره على وَطنه ومسقط رَأسه.

(أشكر من كلب)
كَمَا قيل (أصح رِعَايَة من كلب) و (أحسن حفاظاً من كلب) قَالَ صَاحب الْمنطق من خِصَال الْكَلْب حبه لمن أحسن إِلَيْهِ وطاعته لَهُ وَحفظه إِيَّاه طبعا من غير تكلّف واقتفاؤه للآثار ومعرفته إِذا شم الْبَوْل أَنه بَوْله أَو بَوْل غَيره وَمن طَاعَته الترضي والبصبصة والبشاشة إِلَى من عرفه.

(الْكَلْب أحب أَهله إِلَيْهِ الظاعن)
يضْرب مثلا للرجل يحب الشخوص وَلَا يكَاد يسْتَقرّ وَالْكَلب إِذا خف أَهله هش وَتبع الظاعن مِنْهُم.

(أَسَاءَ كَارِه مَا عمل)
يضْرب مثلا للرجل يكره على الْأَمر فَلَا يُبَالغ فِيهِ.
وَالْفرس تَقول إِذا أكره الْكَلْب على الصَّيْد لم يسر الصاحب وَلَا الصاحبة.

(أبْصر من الْكَلْب)
وَجَمِيع السبَاع تبصر بِاللَّيْلِ كَمَا تبصر بِالنَّهَارِ وَلَا أعرف لم خص الْكَلْب.
وَقَالَ بَعضهم إِنَّمَا خص بِهِ لقَوْل الشَّاعِر:
(فِي لَيْلَة من جُمَادَى ذَات أندية ... لَا يبصر الْكَلْب من ظلمائها الطنبا)
فَلَو لم يكن عِنْده أبصرهَا لم يَخُصُّهُ.

(أجشع من كلب)
والجشع شدَّة الْحِرْص والشره وَذَلِكَ مَوْجُود فِي طباع كل سبع فتراه إِذا أكل أكل بِسُرْعَة كَأَنَّمَا يُبَادر شَيْئا يجاذبه.

(أسأَل من فلحس)
رجل من بني شَيبَان وَكَانَ سيداً عَزِيزًا يسْأَل سَهْما فِي الْجَيْش وَهُوَ فِي بَيته فيعطاه ثمَّ يسْأَل لامْرَأَته فيعطاه ثمَّ يسْأَل لبعيره
وَقيل: هُوَ الَّذِي يتحين طَعَام النَّاس يُقَال أَتَانَا فلَان يتفلحس كَمَا يُقَال يتطفل.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد الفلحس الْحَرِيص وَبِه سمي الْكَلْب فلحساً.

(الشجاع موقى)
مَعْنَاهُ أَن الَّذِي عرف بالشجاعة والإقدام يتحاماه النَّاس هَيْبَة لَهُ وَمِنْه قَول الزبْرِقَان بن بدر:
(تعدو الذئاب على من لَا كلاب لَهُ ... وتتقي مربض المستثفر الحامي)
يُقَال استفر الْكَلْب إِذا أَدخل ذَنبه بَين رجلَيْهِ واستثفر الرجل إِذا اتزر ثمَّ رد طرف إزَاره من بَين رجلَيْهِ وغرزه فِي حجزته من خلف.
وَفِي خِلَافه قَوْلهم (إِن الجبان حتفه من فَوْقه) وَذَلِكَ أَنه إِذا عرف بالجبن قضد وَفِي قريب من الأول قَول المتلمس:
(من كَانَ ذَا عضد يدْرك ظلامته ... إِن الذَّلِيل الَّذِي لَيست لَهُ عضد)
وَفِي خِلَافه قَول الآخر:
(باتت تشجعني سلمى وَقد علمت ... أَن الشجَاعَة مقرون بهَا العطب)

(كلبٌ عس خيرٍ من أسدٍ ربض)
يَقُول الرجل الضَّعِيف المضطرب المحترف خيرٌ لنَفسِهِ ولأهله من الْقوي الكسلان
وعس واعتس إِذا طوف وَالْتمس وَمِنْه سمى الطّواف بِاللَّيْلِ عسسا واحدهم عاس مثل خَادِم وخدم وَقلت:
(لَيْسَ الْفَتى بجماله ... لَكِن بنجدته وحزمه)
(كسل الْفَتى فِي شَأْنه ... سببٌ لفاقته وَعَدَمه)
وَقَالَ الشَّاعِر:
(حضر الهموم وساده وتجنبت ... كسلان يصبح فِي الْمَنَام ثقيلا)

(ألج من الْكَلْب)
لِأَنَّهُ يلج بالهرير على النَّاس.

(نعم كلب فِي بؤس أَهله)
يضْرب مثلا للرجل ينْتَفع بِضَرَر غَيره
أَصله أَن بعض الْأَعْرَاب كَانَ لَهُ بعيرٌ يكريه فينتفع بِمَا يعود مِنْهُ وَله كلب يقصر عَن إطعامه وَهُوَ يتلق جوعا فَمَاتَ الْبَعِير فَدفع الرجل إِلَى سوء حَال وَالْكَلب إِلَى خصب وَقَالَ بعض الْأَعْرَاب:
(إِن السعيد من يَمُوت جمله ... يَأْكُل لَحْمًا ويقل عمله)
وَهَذَا خلاف الأول يَقُول إِنَّه إِذا رَآهُ يَمُوت نَحره فَأكل لَحْمه واستراح من الْعَمَل وَأخذ المتنبى معنى الْمثل فَقَالَ:
(مصائب قوم عِنْد قوم فَوَائِد ... )

(أَهْون من النباح على السَّحَاب)
وَذَلِكَ أَن الْكَلْب بالبادية يبيت تَحت السَّمَاء فَإِذا ألح عَلَيْهِ الْمَطَر والجهد جعل ينبح الْغَيْم وكل غيمٍ رَآهُ نبحه وَرُبمَا نبح الْقَمَر لِأَن الْقَمَر إِذا طلع من الشرق يكون مثل قِطْعَة غيم.

(لَو لَك عويت لم أعو)
يَقُوله الرجل يطْلب الْخَيْر فَيَقَع فِي شَرّ.
قَالُوا: وَأَصله أَن رجلا بقى فِي قفر فنبح لتجيبه الْكلاب إِن كن قَرِيبا فَيعرف مَوضِع الأنيس فَسمِعت صَوته الذئاب فأقبلن يردنه.
فَقَالَ: لَو لَك عويت لم أعو.  

(أبو هلال العسكري (المتوفى: نحو 395هـ): جمهرة الأمثال ) 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق