بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 9 سبتمبر 2019

قصّة في وفاء الكلب


وأنشد أبو الحسن بن خالويه عن أبي عبيدة لبعض الشعراء: [من الطويل]

يعرّد عنه جاره وشقيقه ... وينبش عنه كلبه وهو ضاربه

قال أبو عبيدة: قيل ذلك لأنّ رجلا خرج إلى الجبّان ينتظر ركابه فأتبعه كلب كان له، فضرب الكلب وطرده، وكره أن يتبعه، ورماه بحجر، فأبى الكلب إلّا أن يذهب معه.

فلما صار إلى الموضع الذي يريد فيه الانتظار، ربض الكلب قريبا منه، فبينا هو كذلك إذ أتاه أعداء له يطلبونه بطائلة لهم عنده، وكان معه جار له وأخوه دنيا، فأسلماه وهربا عنه، فجرح جراحات ورمي به في بئر غير بعيدة القعر، ثم حثوا عليه من التراب حتّى غطّى رأسه ثم كمّم فوق رأسه منه، والكلب في ذلك يزجم ويهرّ، فلمّا انصرفوا أتى رأس البئر؛ فما زال يعوي وينبث عنه ويحثو التّراب بيده ويكشف عن رأسه حتى أظهر رأسه، فتنفّس وردّت إليه الرّوح؛ وقد كاد يموت ولم يبق منه إلّا حشاشة.

فبينا هو كذلك إذ مرّ ناس فأنكروا مكان الكلب ورأوه كأنّه يحفر عن قبر، فنظروا فإذا هم بالرّجل في تلك الحال، فاستشالوه فأخرجوه حيّا، وحملوه حتّى أدّوه إلى أهله، فزعم أنّ ذلك الموضع يدعى ببئر الكلب. وهو متيامن عن النّجف.

وهذا العمل يدل على وفاء طبيعي وإلف غريزي ومحاماة شديدة، وعلى معرفة وصبر، وعلى كرم وشكر، وعلى غناء عجيب ومنفعة تفوق المنافع، لأنّ ذلك كلّه كان من غير تكلف ولا تصنّع.

_____________________________________

الجاحظ (المتوفى: 255هـ): الحيوان.
ابن المرزبان (المتوفى: 309هـ):فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثيابز
التنوخي (المتوفى: 384هـ): نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة.
ابن حمدون (المتوفى: 562هـ): التذكرة الحمدونية.
الزمخشري (المتوفي: 538 هـ): ربيع الأبرار ونصوص الأخيارز
ابن الجوزي (المتوفى: 597هـ): الأذكياءز
الأبشيهي أبو الفتح (المتوفى: 852هـ): المستطرف في كل فن مستطرف.
يوسف بن عبد الهادي (المتوفى: 909 هـ): الاغتراب في أحكام الكلابز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق