بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 9 سبتمبر 2019

كلب يضحي بنفسة !!


قدم رجلٌ على بعض السلاطين وكان معه حاكم أرمينيه منصرفا إلى منزله، فمر في طريقه بمقبرة، فإذا قبرٌ غليه قبةٌ مبنية مكتوب عليها، هذا قبر الكلب فمن أحب أن يعلم خبره فليمضِ إلى قرية كذا وكذا فإنّ فيها من يخبره.

فسأل الرجلُ عن القرية فدلّوهُ عليها فقصدها وسأل أهلها، فدلّوه على الشيخ فبعث إليه وأحضره وإذا شيخ قد جاوز المائة سنة فسأله.

فقال: نعم كان في هذه الناحية ملِك عظيمُ الشأن وكان مشهورا بالنُزهةِ والصيد والسفر، وكان له كلب قد ربّاه وسمّاه باسم، وكان لا يُفارقه حيث كان، فإذا كان وقت غدائه وعشائه أطعمه مما يأكل فخرج يوما إلى بعض منتزهاته.

وقال لبعضِ غلمانه: قل للطباخ يصلح لنا ثريدةَ لبن فقد اشتهيتها.

ومضى إلى مُنتزهه.

فوجه الطباخ فجاء بلبن وصنع له ثريدة عظيمة ونسيَ أن يغطّيها بشيء، واشتغل بطبخ شيءٍ آخر.

فخرج من بعض شقوق الغيطان أفعى فكَرعَمن ذلك اللبن ومجَّ في الثريدة من سمُّه والكلبُ رابضٌ يرى ذلك كلّه ولو كان في الأفعى حيلة لمنعها ولكن لا حيلة له.

وكان عند الملك جارية خرساء زمنة قد رأت ما صنع الأفعى.

ووافى الملك من الصيد، فقال: يا غلمان أول ما تقدمون إلى الثريدة فلما قدموها بي يديه أومأت الخرساء إليه فلم يفهموا ما تقول، ونبح الكلب وصاح فلم يلتفت إليه ولج في الصياح ليعلمهم مراده فيه، ثمّ رمى إليه بما كان يرمي إليه في كل يوم، فلم يقربه ولجَّ في الصياح.

فقال لغلمانه: نحُّوه عنّا فإن له قصة، ومدّ يده إلى اللبن فلما رآه الكلب يريد أن يأكل، وثب إلى وسط المائدة وادخل فمه في اللبن وكرع منه فسقط ميِّتا وتناثر لحمه.

وبقي الملك متعجّبا منه ومن فعله، فأومأت الخرساء إليهم فعرفوا مرادها بما صنع الكلب.

فقال الملك لندمائه وحاشيته أن شيئا قد فداني بنفسه لحقيقٌ بالمكافأة وما يحمله ويدفنه غيري، ودفنه بين أبيه وأمّه وبنى عليه قبة وكتب عليها ما قرأت، وهذا ما كان من خبره.
______________________________________________

ابن المرزبان (المتوفى: 309هـ): فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب.

التنوخي (المتوفى: 384هـ): نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة.
ابن الجوزي (المتوفى: 597هـ): كتاب الأذكياء.
كمال الدين الدميري (المتوفى: 808هـ): حياة الحيوان الكبرى.
يوسف بن عبد الهادي (المتوفى: 909 هـ): الاغتراب في أحكام الكلاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق