بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 13 سبتمبر 2019

ومازال يرعى ذِمَّتي ويحوطني


وممن أفسد الصديق بحرمته فأقام الكلب بنصرته، انه كان للحارث بن صعصعة ندمان لا يفارقهم، شديد المحبة لهم فبعث أحدهم بزوجته فراسلها، وكان للحارث كلبٌ ربّاه.
فخرج الحارث في بعض متنزَّهاته ومعه ندماؤه، وخلَّف عنهُ ذلك الرجل.
فلما بعد الحارث عن منزله، جاء نديمه إلى زوجته، فأقام عندها يأكل ويشرب فلما سكرا واضّطجعا ورأى الكلب أنه قد صار على بطنها وثب الكلب عليهما فقتلهما.

فلما رجع الحارث إلى منزله ونظر إليهما عرف ووقف ندماؤه على ذلك وأنشأ يقول:
ومازال يرعى ذِمَّتي ويحوطني ... ويحفظ عرسي والخليل يخونُ
فوا عجبا للخلِّ يهتك حُرمتي ... ويا عجباً للكلب كيف يصونُ

قال وهجر من كان يعاشره واتّخذ كلبه نديما وصاحباً فتحدث به العرب وأنشأ يقول:
فلَلكلبُ خيرٌ من خليل يخونني ... وينكِحُ عِرسي بعد وقتِ رحيلي
سأجعلُ كلبي ما حييتُ منادِمي ... وأمنحُه وُدِّي وصفوَ خليلي

________________________

المراجع:
ابن المرزبان (المتوفى: 309 هـ)
التنوخي (المتوفى: 384هـ): نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة.
ابن الجوزي (المتوفى: 597هـ): كتاب الأذكياء.
أبو الفداء (المتوفى: 1127هـ): روح البيان.
كمال الدين الدميري (المتوفى: 808هـ): حياة الحيوان الكبرى.
الأبشيهي أبو الفتح (المتوفى: 852هـ): المستطرف في كل فن مستطرف.
يوسف بن عبد الهادي (المتوفى: 909 هـ): الاغتراب في أحكام الكلاب.

الاثنين، 9 سبتمبر 2019

كيف كان الأعلام يتعاملون مع الكلاب



خرج عبد الله بن جعفر إِلَى ضَيْعَةٍ لَهُ فَنَزَلَ عَلَى نَخِيلِ قَوْمٍ وَفِيهِ غُلَامٌ أَسْوَدُ يَعْمَلُ فِيهِ.
إِذْ أَتَى الْغُلَامُ بِقُوتِهِ فَدَخَلَ الْحَائِطَ كَلْبٌ وَدَنَا مِنَ الْغُلَامِ فَرَمَى إِلَيْهِ الْغُلَامُ بِقُرْصٍ فَأَكَلَهُ ثُمَّ رَمَى إِلَيْهِ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ فَأَكَلَهُ.
وَعَبْدُ اللَّهِ يَنْظُرُ إِلَيْهِ.
فَقَالَ: يَا غُلَامُ كَمْ قُوتُكَ كُلَّ يَوْمٍ؟ 
قَالَ: مَا رَأَيْتَ.
قَالَ: فَلِمَ آثَرْتَ بِهِ هَذَا الْكَلْبَ!
قَالَ: مَا هِيَ بِأَرْضِ كِلَابٍ إِنَّهُ جَاءَ مِنْ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ جَائِعًا فَكَرِهْتُ أَنْ أَشْبَعَ وَهُوَ جَائِعٌ.
قَالَ: فَمَا أَنْتَ صَانِعٌ الْيَوْمَ.
قَالَ: أَطْوِي يَوْمِي هَذَا.
فبكى عبد الله بن جعفر وقَالَ: أُلَامُ عَلَى السَّخَاءِ إِنَّ هَذَا الْغُلَامَ لَأَسْخَى مِنِّي فَاشْتَرَى الْحَائِطَ وَالْغُلَامَ وَمَا فِيهِ مِنَ الْآلَاتِ فَأَعْتَقَ الْغُلَامَ وَوَهَبَهُ مِنْهُ.
فقال الغلام: إن كان ذلك لي فهو في سبيل الله تعالى، فاستعظم عبد الله ذلك منه، فقال: يجود هذا وأبخل أنا؟ لا كان ذلك أبدا.
(أبو حامد الغزالي (المتوفى: 505هـ): إحياء علوم الدين.
الطرطوشي المالكي (المتوفى: 520هـ): سراج الملوك .
سبط ابن الجوزي (المتوفى: 654هـ): مرآة الزمان في تواريخ الأعيان .
كمال الدين الدميري (المتوفى: 808هـ): حياة الحيوان الكبرى .
الأبشيهي أبو الفتح (المتوفى: 852هـ): المستطرف في كل فن مستطرف.)

وكذلك  تروى نفس القصة عن ابن عمة الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ .
(الخطيب البغدادي (المتوفى: 463هـ): تاريخ بغداد 6 / 522.
ابن منظور (المتوفى: 711هـ): مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر.)

وعن الإمام محمد بن واسع.
(ابن حمدون (المتوفى: 562هـ): التذكرة الحمدونية.
الزمخشري (المتوفي: 583 هـ): ربيع الأبرار ونصوص الأخيار.)

وفي مناقب الإمام أحمد، أنه بلغه أن رجلا من وراء النهر عنده أحاديث ثلاثية، فرحل الإمام أحمد إليه، فوجد شيخا يطعم كلبا، فسلم عليه فرد عليه السلام، ثم اشتغل الشيخ بإطعام الكلب، فوجد الإمام في نفسه إذ أقبل الشيخ على الكلب ولم يقبل عليه، فلما فرغ الشيخ من طعمة الكلب، التفت إلى الإمام أحمد، وقال له: كأنك وجدت في نفسك، إذ أقبلت على الكلب ولم أقبل عليك؟ 
قال: نعم. 
فقال الشيخ: حدثني أبو الزناد، عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قطع رجاء من ارتجاه قطع الله منه رجاءه يوم القيامة فلم يلج الجنة» . 
وأرضنا هذه ليست بأرض كلاب، وقد قصدني هذا الكلب، فخفت أن أقطع رجاءه فيقطع الله رجائي منه يوم القيامة. 
فقال الإمام أحمد: هذا الحديث يكفيني ثم رجع.
(كمال الدين الدميري (المتوفى: 808هـ): حياة الحيوان الكبرى .
الأبشيهي أبو الفتح (المتوفى: 852هـ): المستطرف في كل فن مستطرف .
يوسف بن عبد الهادي (المتوفى: 909 هـ): الاغتراب في أحكام الكلاب .)

قال بعضهم: جئت الى مالك بن دينار وهو قاعد وحده وإذا كلب قد وضع حنكه على ركبته.
فذهبت أطرده.
فقال: دعه يا هذا؛ هذا لا يضر ولا يؤذي، وهو خير من جليس السوء.
قال:
لكلب الناس إن فكّرت فيه ... أضر عليك من كلب الكلاب
لأن الكلب لا يؤذي جليسا ... وأنت الدهر من ذا في عذاب
(أبو حامد الغزالي (المتوفى: 505هـ): إحياء علوم الدين.
الزمخشري (المتوفي: 583 هـ): ربيع الأبرار ونصوص الأخيار.
كمال الدين الدميري (المتوفى: 808هـ): حياة الحيوان الكبرى.
يوسف بن عبد الهادي (المتوفى: 909 هـ): الاغتراب في أحكام الكلاب.)


كَانَ يمشي بعض أَصْحَاب الإمام إبراهيم الفيروزآبادي مَعَه فِي طَرِيق فَعرض لَهما كلب.
فَقَالَ الْفَقِيه: لذَلِك الْكَلْب اخْسَأْ وزجره.
فَنَهَاهُ الشَّيْخ وَقَالَ: لم طردته عَن الطَّرِيق أما علمت أَن الطَّرِيق بيني وَبَينه مُشْتَرك.
(تاج الدين السبكي (المتوفى: 771هـ): طبقات الشافعية الكبرى.
القزويني (المتوفى: 682هـ): آثار البلاد وأخبار العباد .)

مر الشَّيْخ أَحْمد الرِّفَاعِي على دَار الطَّعَام فَرَأى الْكلاب يَأْكُلُون التَّمْر من القوصرة وهم يتحارشون فَوقف على الْبَاب لِئَلَّا يدْخل إِلَيْهِم أحد يؤذيهم.

(تاج الدين السبكي (المتوفى: 771هـ): طبقات الشافعية الكبرى.)


مر الإمام مجد الدّين بن دَقِيق الْعِيد فَرَأى كلبةً قد ولدت وَمَاتَتْ.
فقال لتلميذة تَقِيّ الدّين عبد الْملك الأرمنتي: يَا تقيُّ هَات هَذِه السجَّادة فَحمل الجراء وَجعلهَا فِي مَكَان قريب ورتَّب لَهَا لَبَنًا يسقيها حتَّى كَبرت وَذكر لَهُ وقائع من هَذَا النَّوْع.

(صلاح الدين الصفدي (المتوفى: 764هـ): الوافي بالوفيات.)


أبي صادق مرشد المدينيّ المالكيّ المحدّث.
كان فيه حنة على الحيوانات لا سيما على القطط والكلاب، وكان مشارف الجامع وجعل عليه جاريا من الغدد كلّ يوم لأجل القطط، وكان عند داره بزقاق الأقفال من مصر كلاب يطعمها ويسقيها، وربما تبع دابته منها شيء يمشي معه في الأسواق.
قال الشريف محمد بن أسعد الجوّانيّ النسابة في كتاب النقط على الخطط: حدّثني الشيخ منجب غلام أبي صادق قال: كان لمولاي الشيخ أبي صادق كلب لا يفارقه أبدا، إذا كان راكبا يمشي خلفه، فإذا وقفت بغلته قام تحت يديها، فإذا رآه الناس قالوا هذا أبو صادق وكلبه.
وحدّثني قال: ولدت كلبة في مستوقد حمّام، وكان المؤذن يأتي خلف مولاي سحرا كل يوم لقراءة المصحف، وكان مولاي يأخذ في كمه كلّ يوم رغيفا، فإذا حاذى موضع الكلبة قلع طيلسانه وقطع الخبز للكلبة ويرمي لها بنفسه إلى أن تأكل، ثم يستدعي الوقاد ويعطيه قيراطا ويقول له: اغسل قدحها واملأه ماء حلوا، ويستحلفه على ذلك. 
فلما كبر أولادها صار يأخذ بعد رغيفين إلى أن كبروا وتفرّقوا. 
وحدّثني قال: كان قد جعل كراء حانوت برسم القطاط بالجامع العتيق من الأحباس، وكان يؤتي بالغدد مقطعة، فيجلس ويقسم عليها، وإن قطة كانت تحمل شيئا من ذلك وتمضي به، وفعلت ذلك مرارا، فقال مولاي للشيخ أبي الحسن بن فرج امض خلف هذه القطة وانظر إلى أين تؤدّي ذلك، فمضى ابن فرج فإذا بها تؤدّيه إلى أولادها، فعاد إليه وأخبره، فكان بعد ذلك يقطع غددا صغارا على قدر مساغ القطط الصغار، وغددا كبار للكبار، ويرسل بجزء الصغار إليهم إلى أن كبروا.
 (تقي الدين المقريزي (المتوفى: 845هـ): المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار.)


قال الشيخ تاج الدين ابن السبكي في الترشيح: كنت يوماً في دهليز دارنا في جماعة فمر بنا كلب يقطر ماء يكاد يمس ثيابنا فنهرته وقلت يا كلب يا ابن الكلب.
وإذا بالشيخ الإمام يعني والده الشيخ تقي الدين السبكي يسمعنا من داخل فلما خرج قال : لم شتمته ؟
فقلت: ما قلت إلا حقاً أليس هو بكلب ابن كلب ؟ 
فقال: هو كذلك إلا أنك أخرجت الكلام في مخرج الشتم والإهانة ولا ينبغي ذلك.
فقلت: هذه فائدة لا ينادي مخلوق بصفته إذا لم يخرج الإهانة هذا لفظة في الترشيح.

(جلال الدين السيوطي (المتوفى : 911هـ):  الحاوي للفتاوي في الفقه وعلوم التفسير والحديث والأصول والنحو والإعراب وسائر الفنون )

كلب يضحي بنفسة !!


قدم رجلٌ على بعض السلاطين وكان معه حاكم أرمينيه منصرفا إلى منزله، فمر في طريقه بمقبرة، فإذا قبرٌ غليه قبةٌ مبنية مكتوب عليها، هذا قبر الكلب فمن أحب أن يعلم خبره فليمضِ إلى قرية كذا وكذا فإنّ فيها من يخبره.

فسأل الرجلُ عن القرية فدلّوهُ عليها فقصدها وسأل أهلها، فدلّوه على الشيخ فبعث إليه وأحضره وإذا شيخ قد جاوز المائة سنة فسأله.

فقال: نعم كان في هذه الناحية ملِك عظيمُ الشأن وكان مشهورا بالنُزهةِ والصيد والسفر، وكان له كلب قد ربّاه وسمّاه باسم، وكان لا يُفارقه حيث كان، فإذا كان وقت غدائه وعشائه أطعمه مما يأكل فخرج يوما إلى بعض منتزهاته.

وقال لبعضِ غلمانه: قل للطباخ يصلح لنا ثريدةَ لبن فقد اشتهيتها.

ومضى إلى مُنتزهه.

فوجه الطباخ فجاء بلبن وصنع له ثريدة عظيمة ونسيَ أن يغطّيها بشيء، واشتغل بطبخ شيءٍ آخر.

فخرج من بعض شقوق الغيطان أفعى فكَرعَمن ذلك اللبن ومجَّ في الثريدة من سمُّه والكلبُ رابضٌ يرى ذلك كلّه ولو كان في الأفعى حيلة لمنعها ولكن لا حيلة له.

وكان عند الملك جارية خرساء زمنة قد رأت ما صنع الأفعى.

ووافى الملك من الصيد، فقال: يا غلمان أول ما تقدمون إلى الثريدة فلما قدموها بي يديه أومأت الخرساء إليه فلم يفهموا ما تقول، ونبح الكلب وصاح فلم يلتفت إليه ولج في الصياح ليعلمهم مراده فيه، ثمّ رمى إليه بما كان يرمي إليه في كل يوم، فلم يقربه ولجَّ في الصياح.

فقال لغلمانه: نحُّوه عنّا فإن له قصة، ومدّ يده إلى اللبن فلما رآه الكلب يريد أن يأكل، وثب إلى وسط المائدة وادخل فمه في اللبن وكرع منه فسقط ميِّتا وتناثر لحمه.

وبقي الملك متعجّبا منه ومن فعله، فأومأت الخرساء إليهم فعرفوا مرادها بما صنع الكلب.

فقال الملك لندمائه وحاشيته أن شيئا قد فداني بنفسه لحقيقٌ بالمكافأة وما يحمله ويدفنه غيري، ودفنه بين أبيه وأمّه وبنى عليه قبة وكتب عليها ما قرأت، وهذا ما كان من خبره.
______________________________________________

ابن المرزبان (المتوفى: 309هـ): فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب.

التنوخي (المتوفى: 384هـ): نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة.
ابن الجوزي (المتوفى: 597هـ): كتاب الأذكياء.
كمال الدين الدميري (المتوفى: 808هـ): حياة الحيوان الكبرى.
يوسف بن عبد الهادي (المتوفى: 909 هـ): الاغتراب في أحكام الكلاب.

الكلاب في أمثال العرب


كانت العرب تسمي الكلب داعي الضمير، وهادي الضمير، وداعي الكرم، ومتمم النعم، ومشيد الذكر، لما يجلب من الأضياف بنباحه.
والضمير: الضيف الغريب، من أضمرته البلاد إذا غيبته؛ وكانوا إذا اشتد البرد وهبّت الرياح ولم تثبت النيران فرقوا الكلاب حوالي الحيّ وجعلوا لها مظالّ، وربطوها إلى العمد لتستوحش فتنبح فتهدي الضلّال.
(ابن حمدون (المتوفى: 562هـ): التذكرة الحمدونية)

(آلف من كلب)
وَذَلِكَ أَن صَاحب الْمنزل إِذا رَحل عَنهُ لم يتبعهُ فرس وَلَا بغل وَلَا ديك وَلَا دجَاجَة وَلَا حمامة وَلَا هرة وَلَا شَاة وَلَا عُصْفُور وَلَا شَيْء مِمَّا يعايش النَّاس إِلَّا الْكَلْب فَإِنَّهُ يتبعهُ حَيْثُ يمْضِي ويحميه ويؤثره على وَطنه ومسقط رَأسه.

(أشكر من كلب)
كَمَا قيل (أصح رِعَايَة من كلب) و (أحسن حفاظاً من كلب) قَالَ صَاحب الْمنطق من خِصَال الْكَلْب حبه لمن أحسن إِلَيْهِ وطاعته لَهُ وَحفظه إِيَّاه طبعا من غير تكلّف واقتفاؤه للآثار ومعرفته إِذا شم الْبَوْل أَنه بَوْله أَو بَوْل غَيره وَمن طَاعَته الترضي والبصبصة والبشاشة إِلَى من عرفه.

(الْكَلْب أحب أَهله إِلَيْهِ الظاعن)
يضْرب مثلا للرجل يحب الشخوص وَلَا يكَاد يسْتَقرّ وَالْكَلب إِذا خف أَهله هش وَتبع الظاعن مِنْهُم.

(أَسَاءَ كَارِه مَا عمل)
يضْرب مثلا للرجل يكره على الْأَمر فَلَا يُبَالغ فِيهِ.
وَالْفرس تَقول إِذا أكره الْكَلْب على الصَّيْد لم يسر الصاحب وَلَا الصاحبة.

(أبْصر من الْكَلْب)
وَجَمِيع السبَاع تبصر بِاللَّيْلِ كَمَا تبصر بِالنَّهَارِ وَلَا أعرف لم خص الْكَلْب.
وَقَالَ بَعضهم إِنَّمَا خص بِهِ لقَوْل الشَّاعِر:
(فِي لَيْلَة من جُمَادَى ذَات أندية ... لَا يبصر الْكَلْب من ظلمائها الطنبا)
فَلَو لم يكن عِنْده أبصرهَا لم يَخُصُّهُ.

(أجشع من كلب)
والجشع شدَّة الْحِرْص والشره وَذَلِكَ مَوْجُود فِي طباع كل سبع فتراه إِذا أكل أكل بِسُرْعَة كَأَنَّمَا يُبَادر شَيْئا يجاذبه.

(أسأَل من فلحس)
رجل من بني شَيبَان وَكَانَ سيداً عَزِيزًا يسْأَل سَهْما فِي الْجَيْش وَهُوَ فِي بَيته فيعطاه ثمَّ يسْأَل لامْرَأَته فيعطاه ثمَّ يسْأَل لبعيره
وَقيل: هُوَ الَّذِي يتحين طَعَام النَّاس يُقَال أَتَانَا فلَان يتفلحس كَمَا يُقَال يتطفل.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد الفلحس الْحَرِيص وَبِه سمي الْكَلْب فلحساً.

(الشجاع موقى)
مَعْنَاهُ أَن الَّذِي عرف بالشجاعة والإقدام يتحاماه النَّاس هَيْبَة لَهُ وَمِنْه قَول الزبْرِقَان بن بدر:
(تعدو الذئاب على من لَا كلاب لَهُ ... وتتقي مربض المستثفر الحامي)
يُقَال استفر الْكَلْب إِذا أَدخل ذَنبه بَين رجلَيْهِ واستثفر الرجل إِذا اتزر ثمَّ رد طرف إزَاره من بَين رجلَيْهِ وغرزه فِي حجزته من خلف.
وَفِي خِلَافه قَوْلهم (إِن الجبان حتفه من فَوْقه) وَذَلِكَ أَنه إِذا عرف بالجبن قضد وَفِي قريب من الأول قَول المتلمس:
(من كَانَ ذَا عضد يدْرك ظلامته ... إِن الذَّلِيل الَّذِي لَيست لَهُ عضد)
وَفِي خِلَافه قَول الآخر:
(باتت تشجعني سلمى وَقد علمت ... أَن الشجَاعَة مقرون بهَا العطب)

(كلبٌ عس خيرٍ من أسدٍ ربض)
يَقُول الرجل الضَّعِيف المضطرب المحترف خيرٌ لنَفسِهِ ولأهله من الْقوي الكسلان
وعس واعتس إِذا طوف وَالْتمس وَمِنْه سمى الطّواف بِاللَّيْلِ عسسا واحدهم عاس مثل خَادِم وخدم وَقلت:
(لَيْسَ الْفَتى بجماله ... لَكِن بنجدته وحزمه)
(كسل الْفَتى فِي شَأْنه ... سببٌ لفاقته وَعَدَمه)
وَقَالَ الشَّاعِر:
(حضر الهموم وساده وتجنبت ... كسلان يصبح فِي الْمَنَام ثقيلا)

(ألج من الْكَلْب)
لِأَنَّهُ يلج بالهرير على النَّاس.

(نعم كلب فِي بؤس أَهله)
يضْرب مثلا للرجل ينْتَفع بِضَرَر غَيره
أَصله أَن بعض الْأَعْرَاب كَانَ لَهُ بعيرٌ يكريه فينتفع بِمَا يعود مِنْهُ وَله كلب يقصر عَن إطعامه وَهُوَ يتلق جوعا فَمَاتَ الْبَعِير فَدفع الرجل إِلَى سوء حَال وَالْكَلب إِلَى خصب وَقَالَ بعض الْأَعْرَاب:
(إِن السعيد من يَمُوت جمله ... يَأْكُل لَحْمًا ويقل عمله)
وَهَذَا خلاف الأول يَقُول إِنَّه إِذا رَآهُ يَمُوت نَحره فَأكل لَحْمه واستراح من الْعَمَل وَأخذ المتنبى معنى الْمثل فَقَالَ:
(مصائب قوم عِنْد قوم فَوَائِد ... )

(أَهْون من النباح على السَّحَاب)
وَذَلِكَ أَن الْكَلْب بالبادية يبيت تَحت السَّمَاء فَإِذا ألح عَلَيْهِ الْمَطَر والجهد جعل ينبح الْغَيْم وكل غيمٍ رَآهُ نبحه وَرُبمَا نبح الْقَمَر لِأَن الْقَمَر إِذا طلع من الشرق يكون مثل قِطْعَة غيم.

(لَو لَك عويت لم أعو)
يَقُوله الرجل يطْلب الْخَيْر فَيَقَع فِي شَرّ.
قَالُوا: وَأَصله أَن رجلا بقى فِي قفر فنبح لتجيبه الْكلاب إِن كن قَرِيبا فَيعرف مَوضِع الأنيس فَسمِعت صَوته الذئاب فأقبلن يردنه.
فَقَالَ: لَو لَك عويت لم أعو.  

(أبو هلال العسكري (المتوفى: نحو 395هـ): جمهرة الأمثال ) 

لماذا يسمون أبنائهم بأسماء السباع؟



والعرب لا تأنف أن تسمي أبنائها بأسماء الكلب، أو تلقب به.

وكلاب إما منقول من المصدر، الذي هو في معنى المكالبة، نحو كالبت العدو مكالبة وكلابا، وإما جمع كلب، وسموه بذلك طلبا للكثرة كما سموا سباع، وأنمار.

قيل لأبي الدقيش الأعرابي: لم تسمون أبناءكم بشر الأسماء نحو كلب وذئب؟ وعبيدكم بأحسنها نحو مرزوق ورباح؟
فقال: إنما نسمي أبناءنا لأعدائنا وعبيدنا لأنفسنا. وكأنهم قصدوا بذلك التفاؤل بمكالبة العدد وقهره، والكلبة أنثى الكلاب، وجمعها كلبات ولا تكسر.

( كمال الدين الدميري (المتوفى: 808هـ): حياة الحيوان الكبرى )


ومن الطرائف قصة أسماء ابنة رويم زوجة وبرة بن تغلب.
وكانت من النساء العاقلات الحكيمات الأديبات الولودات وكانت تسمي أولادها بأسماء الوحوش الضارية.
قيل: إنه مر بها وائل بن ساقط فرآها منفردة في خبائها فهم بها.
فقالت: والله لئن هممت بي لأدعون أسبعي.
فقال: ما أرى سواك في الوادي.
فصاحت ببنيها: يا كلب، يا ذئب، يا فهد، يا دب، يا سرحان، يا سبع، يا ضبع، يا نمر.
فجاءوا يتعادون بالسيوف.
فقال وائل: ما هذا إلا وادي السباع فلزم هذا الاسم ذلك الوادي.
وقالوا لها: ما شأنك؟
قالت: إنه نزل بنا ضيفا فأحببت أن تكرموه إكراما زائدا.
وانصرف وهو يتعجب من ذريتها ومن حضور بديهتها لتحمل العذر الذي أبدته لأولادها.

( زينب العاملي (المتوفى: 1332هـ): الدر المنثور في طبقات ربات الخدور.
ياقوت الحموي (المتوفى: 626هـ): معجم البلدان.
لفيروزآبادى (المتوفى: 817هـ): القاموس المحيط.
الزَّبيدي (ت: 1205هـ): تاج العروس)


(أعز من كليب)

ومن أشهر من تسمى بالكلب: كليب بن ربيعة، والذي يضرب به المثل: (أعز من كليب بن وائل)، كان سيد ربيعة في زمانه، فكان الناس إذا حضروا المياه لم يسق أحد منهم إلا من سقاه، وإن بدا فأصابهم مطر لم يتحوّض إنسان منهم حوضا إلّا ما فضل عن كليب، وكان يقول: إني قد أجرت صيد كذا وكذا فلا يصاد منها شيء.

(المفضل الضبي (المتوفى: نحو 168هـ): أمثال العرب)


وكان عادات العرب قبل الإسلام أن الرَّجُلُ الْعَزِيزُ مِنْ إذَا انْتَجَعَ بَلَدًا مُخْصِبًا أَوْفَى بِكَلْبٍ عَلَى جَبَلٍ إنْ كَانَ بِهِ، أَوْ نَشَزَ إنْ لَمْ يَكُنْ جَبَلٌ ثُمَّ اسْتَعْوَاهُ وَوَقَفَ لَهُ مَنْ يَسْمَعُ مُنْتَهَى صَوْتِهِ بِالْعُوَاءِ فَحَيْثُ بَلَغَ صَوْتُهُ حَمَاهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ.

(الإمام الشافعي (المتوفى: 204هـ): الأم.)


ومن أشهر قبائل العرب: كلب بن وَبَرة، و كلاب بن ربيعة.

القلقشندي (المتوفى: 821هـ): قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان )


ومن مشاهير من تلقبوا بهذا الأسم:

عائد الكلب:
واسمه عبد الله بن مصعب الزّبيريّ كان والياً على المدينة للرشيد، لقب بذلك لقوله: [كامل]
مالي مرضت فلم يعدني عائد ... منكم، ويمرض كلبكم فأعود؟!
وأشد من مرضي علي صدودكم ... وصدود من أهوى علي شديد
وولده الآن يسمّون «بني عائد الكلب».

(ابن قتيبة الدينوري (المتوفى: 276هـ): عيون الأخبار.
ابن رشيق القيرواني (المتوفى: 463 هـ): العمدة في محاسن الشعر وآدابه.
يوسف بن عبد الهادي (المتوفى: 909 هـ): الاغتراب في أحكام الكلاب.)

عاشق الْكلاب:
إِبْرَاهِيم بن عبد الحميد بن عَليّ الْبَزَّار ذكره ابْن الطَّحَّان فِي ذيل تَارِيخ مصر.
ولا أعلم لما سمي بذلك، ولكن لعلة كان يحب الكلاب أكثر من غيره، وسمي بعاشق.

(ابن حجر العسقلاني (المتوفى: 852هـ): نزهة الألباب في الألقاب.)


عَمْرو ابْن العجلان سمي ذَا الْكَلْب لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُفَارِقهُ كلب.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: لم يكن لَهُ كلب لَا يُفَارِقهُ وَإِنَّمَا خرج غازياً وَمَعَهُ كلب يصطاد بِهِ.
فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه: يَا ذَا الْكَلْب. فثبتت عَلَيْهِ. وَمن النَّاس من يَقُول لَهُ عَمْرو الْكَلْب بِغَيْر ذُو. وَالله أعلم.

(عبد القادر البغدادي (المتوفى: 1093هـ): خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب.
ابن منظور (ت: 711هـ): لسان العرب.)

قصّة في وفاء الكلب


وأنشد أبو الحسن بن خالويه عن أبي عبيدة لبعض الشعراء: [من الطويل]

يعرّد عنه جاره وشقيقه ... وينبش عنه كلبه وهو ضاربه

قال أبو عبيدة: قيل ذلك لأنّ رجلا خرج إلى الجبّان ينتظر ركابه فأتبعه كلب كان له، فضرب الكلب وطرده، وكره أن يتبعه، ورماه بحجر، فأبى الكلب إلّا أن يذهب معه.

فلما صار إلى الموضع الذي يريد فيه الانتظار، ربض الكلب قريبا منه، فبينا هو كذلك إذ أتاه أعداء له يطلبونه بطائلة لهم عنده، وكان معه جار له وأخوه دنيا، فأسلماه وهربا عنه، فجرح جراحات ورمي به في بئر غير بعيدة القعر، ثم حثوا عليه من التراب حتّى غطّى رأسه ثم كمّم فوق رأسه منه، والكلب في ذلك يزجم ويهرّ، فلمّا انصرفوا أتى رأس البئر؛ فما زال يعوي وينبث عنه ويحثو التّراب بيده ويكشف عن رأسه حتى أظهر رأسه، فتنفّس وردّت إليه الرّوح؛ وقد كاد يموت ولم يبق منه إلّا حشاشة.

فبينا هو كذلك إذ مرّ ناس فأنكروا مكان الكلب ورأوه كأنّه يحفر عن قبر، فنظروا فإذا هم بالرّجل في تلك الحال، فاستشالوه فأخرجوه حيّا، وحملوه حتّى أدّوه إلى أهله، فزعم أنّ ذلك الموضع يدعى ببئر الكلب. وهو متيامن عن النّجف.

وهذا العمل يدل على وفاء طبيعي وإلف غريزي ومحاماة شديدة، وعلى معرفة وصبر، وعلى كرم وشكر، وعلى غناء عجيب ومنفعة تفوق المنافع، لأنّ ذلك كلّه كان من غير تكلف ولا تصنّع.

_____________________________________

الجاحظ (المتوفى: 255هـ): الحيوان.
ابن المرزبان (المتوفى: 309هـ):فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثيابز
التنوخي (المتوفى: 384هـ): نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة.
ابن حمدون (المتوفى: 562هـ): التذكرة الحمدونية.
الزمخشري (المتوفي: 538 هـ): ربيع الأبرار ونصوص الأخيارز
ابن الجوزي (المتوفى: 597هـ): الأذكياءز
الأبشيهي أبو الفتح (المتوفى: 852هـ): المستطرف في كل فن مستطرف.
يوسف بن عبد الهادي (المتوفى: 909 هـ): الاغتراب في أحكام الكلابز