بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 5 يوليو 2018

ذِكْرُ حَادِثَةٍ غَرِيبَةٍ بِالْأَنْدَلُسِ



ذِكْرُ حَادِثَةٍ غَرِيبَةٍ بِالْأَنْدَلُسِ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَيَّرَ الْمَنْصُورُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ، أَمِيرُ الْأَنْدَلُسِ لِهِشَامٍ الْمُؤَيَّدِ عَسْكَرًا إِلَى بِلَادِ الْفِرِنْجِ لِلْغَزَاةِ، فَنَالُوا مِنْهُمْ وَغَنِمُوا، وَأَوْغَلُوا فِي دِيَارِهِمْ، وَأَسَرُوا غَرْسِيَّةَ، وَهُوَ مَلِكٌ لِلْفِرِنْجِ ابْنُ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ يُقَالُ لَهُ شَانْجَةُ، وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ مُلُوكِهِمْ وَأَمْنَعِهِمْ،.


وَكَانَ مِنَ الْقَدَرِ أَنَّ شَاعِرًا لِلْمَنْصُورِ، يُقَالُ لَهُ أَبُو الْعَلَاءِ صَاعِدُ بْنُ الْحَسَنِ الرَّبَعِيُّ، قَدْ قَصَدَهُ مِنْ بِلَادِ الْمَوْصِلِ، وَأَقَامَ عِنْدَهُ وَامْتَدَحَهُ قَبْلَ هَذَا التَّارِيخِ، فَلَمَّا كَانَ الْآنَ أَهْدَى أَبُو الْعَلَاءِ إِلَى الْمَنْصُورِ أُيَّلًا. وَكَتَبَ مَعَهُ أَبْيَاتًا مِنْهَا:
يَا حِرْزَ كُلِّ مُخَوَّفٍ وَأَمَانَ كُلِّ ... مُشَرَّدٍ وَمُعِزَّ كُلِّ مُذَلَّلِ
جَدْوَاكَ إِنْ تُخْصَصْ بِهِ فَلِأَهْلِهِ ... وَتَعُمُّ بِالْإِحْسَانِ كُلَّ مُؤَمِّلِ
(يَقُولُ فِيهَا) :
مَوْلَايَ مُؤْنِسَ غُرْبَتِي، مُتَخَطِّفِي ... مِنْ ظُفْرِ أَيَّامِي، مُمَنِّعَ مَعْقِلِي
عَبْدٌ رَفَعْتَ بِضَبْعِهِ، وَغَرَسْتَهُ ... فِي نِعْمَةٍ أَهْدَى إِلَيْكَ بِأَيَّلِ
سَمَّيْتُهُ غَرْسِيَّةَ، وَبَعَثْتُهُ ... فِي حَبْلِهِ لِيُتَاحَ فِيهِ تَفَاؤُلِي
فَلَئِنْ قَبِلْتَ، فَتِلْكَ أَسْنَى نِعْمَةٍ ... أَسْدَى بِهَا ذُو نِعْمَةٍ وَتَطَوُّلِ

فَسَمَّى هَذَا الشَّاعِرُ الْأَيَّلَ غَرْسِيَّةَ تُفَاؤُلًا بِأَسَرِ ذَلِكَ غَرْسِيَّةَ، فَكَانَ أَسْرُهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَهْدَى فِيهِ الْأَيَّلَ، فَانْظُرْ إِلَى هَذَا الِاتِّفَاقِ مَا أَعْجَبَهُ.

___________________________________

عز الدين ابن الأثير (المتوفى: 630هـ): الكامل في التاريخ 7 / 472-473

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق