بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 20 أبريل 2018

تُبَّع الأوسط


فصل في التَّبابِعة
وتُبَّع: لقبٌ لملوك اليمن، ككِسرى للفرس، وقَيصر للروم ونحوه.
واختلفوا في أوّل التَّبابِعة بعد اتّفاقهم على أنهم ثلاثة، فقال قوم: الأول: الأَقرن ابن شَمِر يرعش الذي ذكرناه آنفًا، وقيل: ولده تبع بن الأَقرن ويُسمّى: تُبَّعًا الأكبر، والثالث: أسعد بن كلكرب، وقيل: حسّان بن تبان.


واختلفوا في تبع صاحب هذه الترجمة، فقال قوم: اسمُه الأَقْرن بن شَمِر يرعش. وقال آخرون: مَلِكي كَرِب بن تُبَّع. وقال ابن الكلبي: اسمُه زيد بن عمرو بن تبع بن أَبرهة ذي المنار، وهو الذي غزا في زمان بشتاسب والظاهر أن تُبَّعًا الأول هو ابنُ الأَقْرن بن شَمِر يرعش، وهو أول من اشتهر بلقب تبع، وهو القائل : [من الكامل]
مَنع البقاءَ تقلُّبُ الشمسِ ... وطُلوعُها من حيث لا تُمسي
وطلوعُها بيضاءَ صافيةً ... وغروبُها صفراءَ كالوَرْسِ
تجري على كَبِد السَّماءِ كما ... يجري حِمامُ الموت بالنَّفسِ
اليومَ نعلم ما يجيءُ به ... ومَضى بفَصْل قضائِه أمسِ


وكان تُبَّع عظيمًا، بلغه أن التركَ قاصِدتُه، فسار إليهم على جبلي طيئ، ثم سلك على الأنبار، وهذا الطريقُ الذي سلكه الرائش، فلَقيهم في حدِّ أَذْرَبيجان فقَتل وسبى، وأَوغل في الهند والصِّين، ووصل إلى التُّبَّت، وخلَّف جيشًا عظيمًا هناك رابطه، فأَعقابُهم هناك إلى اليوم. ولما عاد إلى العراق خَلّف بالحيرة قومًا من الأزد وقُضاعة ولَخْم وجُذَام وعامِلَة فبنَوها، وهابته الملوك وهادوه، ثم عاد إلى اليمن.


وسأل ابنُ عباس - رضي الله عنه - ابنَ مسعود - رضي الله عنه - قال: سمعت الله تعالى يَذكر تُبّعًا فلم يذمّه، وذمَّ قومَه؟ فقال: نعم. إن تُبَّعًا غزا بيتَ المقدس، فسبى أولادَ الأَحبار، وقَدِم بفتيةٍ منهم على قومه، فجعل يُدْنيهم، وَيسمعُ منهم، ويُخبرونه عن الله تعالى، فتحدَّثَ قومُه، وقالوا: إنا نخافُ أن يَفتنوه عن دِينه، وكان يعبد الأوثان، وبلغ تُبعًا ما قالوا، فأخبر الفِتية فقالوا: بيننا وبينهم النَّصَف. قال: وما هو؟ قالوا: نارٌ تحرق الكاذبَ وينجو منها الصادقُ.
فجمع قومَه وقال: اسمعوا ما يقول هؤلاء، وقال لهم: تكلّموا، فقالوا: لنا خالقٌ نعودُ إليه، وبين أيدينا جنَّةٌ ونار، فإن أبيتم علينا، فبيننا وبينكم النَّصفُ. فقالوا: قد رضينا. فأضرموا نارًا، وقام الفتيةُ فذكرُوا اسم الله، واقتحموها، وخرجوا منها سالمين، ودخل من أولئك جماعة فاحترقوا، فأسلم تبع، وكان رجلًا صالحًا فذكره الله تعالى ولم يذمَّه وذمَّ قومَه.


وسُمي تُبَّعًا لكثرة أتباعه، وكسا البيتَ، وكان يعبد النارَ فأسلم، وأقام ملكًا ثلاثًا وثلاثين سنة، وقيل: ثمانين سنة. وهو تُبَّع الأوسط.

___________________________________________________________

«سبط ابن الجوزي» (581 - 654 هـ):  مرآة الزمان في تواريخ الأعيان 2 / 493-494-495
دار الرسالة العالمية
الطبعة: الأولى، 1434 هـ - 2013 م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق