بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 18 فبراير 2020

العربية في أميركا قبل كولمبوس


اغسطس ۱۹۲۹
مجلة المقتطف

أن يكون الناس قد دخلوا اميركا وسكنوها قبل كولمبوس وقامت لهم دول فيها اینم عمرانها حتى فاق عمران الاسبانيين فاتحيها امره لا جدال فيه واما ان يكون العرب قد وصلوا الى اميركا وسكنوها قبلا قصد اليها كولمبوس فامر قلما خطر على بال احد. 
لكن نشر في السنوات الأربع الماضية كتاب كبير في ثلاثة مجلدات الفة عالم من علماء جامعة هارفرد اسمه ليو وينر Leo Wiener عنوانة افريقية وكشف أميركا اثبت مؤلفه وجود كلمات عربية في لغات هنود اميركا.

يعرف هذا المؤلف ۲۹ لغة وقد شرع منذ سنوات في تعلم لغات هنود اميركا كما دونها المرسلون اليسوعيون ( في عهد كورتز القائد الاسباني الذي فتح المكسيك) ليرى ما فيها من الكلمات و التعابير التي قد يستدل منها على الشعوب الذين اتصلوا باولئك الهنود في غابر الزمن فوجد فيها كثير من الكلمات الانكليزية والاسبانية والفرنسوية والبرتغالية واقدم من هذه كلها كلمات عربية. 
وقال بعد نشر كتابه أنه يرجع اقدم هذه الكلمات الى سنة ۱۲۹۰ اي الى قرنين قبلما وصل کولمبوس إلى أميركا وقد يكون اصحاب تلك الكلمات اتصلوا بها قبل ذلك بقرنين آخرين.

وتدل المباحث الحديثة في السجلات القديمة على أن سفن التجار كانت تمخر عباب الاوقيانوس الأتلانتيكي كل سنة للاتجار وكانت تخفي اعمالها عن غيرها حتي تبقى مستأثرة بالكسب . 
ومن ذلك أن البيوت التجارية في ديب وروان من ثغور فرنسا كانت ترسل سفنها الي غانة على الشاطئ الغربي من افريقية قبل زمن كولمبوس بمائة سنة لجلب الذهب والعاج والطيوب والجلود والحجارة الكريمة وما أشبه . 
والمرجح أنها كانت ترسلها إلى اميركا الجنوبية ايضا . 
وانه كان لهذه البيوت نظام تجاري كنظام البيوت التجارية الآن من غير ابهة لكي يبقى عملها سرا فلا يكثر المزاحمون لها ولكي لا يطمع بها الملوك والحكام فيقاسموها ثروتها ولذلك كانت سفنها تخرج من مرافئها خلسة وتعود اليها خلسة.

وقد ثبت الآن أن مدينة ديب بقيت مركزا لهذا النوع التجارة بضعة قرون قبل ولاد: کولمبوس. 
وكان كل ربان سفينة يصف لمستخدمه حين رجوعه ما شاهده في اسفاره. 
ودامت الحال على هذا المنوال الى سنة 1694 حين نشبت الحرب بين فرنسا وانكلترا فاطلق الانكليز مدافعهم على ديب وخربوها وخربوا بيوت أولئك التجار واتلفوا كل ما فيها.

ولكن كان التجار في ذلك العصر مشاكل ودعاوي كما لهم الآن وكانوا يرفعون دعاویهم الى مجالس القضاء فتسجل في سجلات المحاكم بالتفصيل وقد وجدت هذه السجلات ووجد الباحثون فيها حوادث كنيرة بتواريخها المختلفة . 

من ذلك انه كان في مدينة ديب بين تجاري اسمه بیت اغنوت بقی روشیلد عصره من سنة 1470 إلى سنة 1551 . 
وكان قد صار في مقام رفيع من الثروة واتساع التجارة سنة 1470 دلالة على انه نشأ منذ سنين كثيرة قبل ذلك. وتدل الدلائل ايضا على انه كان المدينة ديب تجارة واسعة مع ساحل غانة في غرب افريقية قبلما ادعى البرتغاليون اكتشافها سنة 1419 وان رجلا فرنساويا اسمه جان كوزن وصل بسفنه إلى براز بل سنة 1489 ثم عاد وسار محاذيا الساحل افريقية الجنوبي إلى أن وصل إلى رأس الرجاء الصالح ثم عاد ادراجه إلى ديب وكان معه لما خرج من دب وسار غربا رجل اسباني أسمه بنزون وهو شجاع حاد الطبع فاختلف مع بعض السكان واطلق عليهم النار فأنبة رئيسة وقاصه ولما عادت السفن الي دبب شكاه الى الحكومة فاخذت الجواز منه ومنعته من السفر بحرا فعاد إلى اسبانيا ماشيا فلقيه كولمبوس واخذه معه هو واخوين له وسله قيادة سفينة من سفنه الثلاث واعتمد على خبرته . 

و يقال في مذكرات کولمبوس آن بنزون هذا كان يحاول السير جنو با اي الى جهة براز بل التي عرفها من قبل وكان كولمبوس يشكو من حدة طبعي . 
ولما وصلوا إلى البر انفرد بنزون بسفينته وسار بها جنوبا و استمر سائرة ثلاثة اسابيع ولقية
کولمبوس صدفة عند ساحل کو با الجنوبي. و يظهر من ذلك أن ينزون هذا كان قد وصل الى اميركا قبل کولمبوس وان کولمبوس كان يعلم ذلك وانه أخذه معه كمرشد له.

وقد ذكر كولمبوس لدى رجوعه من رحلته الثالثة انه وجد زنوجا في البلاد التي كشفها اي في اميركا وذكر ايضا ان الهنود ( أي سكان اميركا ) الذين لقيهم في رحلته الاولي اهدوا اليه شيئا من الجوانين ( ومعنى الجوانين في ذلك العصر شذور الذهب الممزوج بالنحاس التي كان يؤتي بها من غانه في الجنوب الغربي من افريقية ومنها اسم الجنيه بالانكليزية ) وعليه فکولمبوس وجد في اميركا زنوجا وذهبا افريقيا فلا بد من أن يكون قد سبقه اليها اناس معهم الزنوج وشذور الذهب الافريقي الممزوج بالنحاس* والظاهر ان کولمبوس اخذ معه زنوج افريقيين ليكونوا تراجمة بينه و بين هنود اميركا لان الزنوج الذين فيها يعرفون لغة أهلها . واولئك الزنوج خلاسیون اي ان اباء هم من البيض و امهاتهم من الزنوج فزنوج افريقية عرفوا اميركا قبل کولمبوس.

وفوق ذلك فقد ذهب بعض الباحثين الآن إلى أن عمران الأزد والما به عمران عربي محض وان الأزد والمايه مستعمرات عربية وجدت في أميركا بين سنة 1150 وسنة 1200 الميلاد والعمران العربي بلغ اوجه في افريقية في القرن التاسع المسيحي وامتد جنوبا إلى مندنجو في غرب افريقية ومن هناك وصل إلى مشواكان على شاطىء خليج المكسيك لان آثار العربية في لغات اميركا ترد كلها الى ذلك المكان والى مندو وهي الكلمات التي تبقى عادة من لغة الغالب في لغة المغلوب کالكلمات الطبية والسياسية. ولما انقطع اتصال العرب باميركا ذوي عمران الأزد والمابه لانه كان مبنيا عليهم وكان في اساسه تجاريا ".

هذا وقد لخصنا ما تقدم من مقالة للستر برتن كلين في جزء فبراير من مجلة العالم اليوم World Today وابناء العربية في هذا القطر وسائر الأقطار احرى الناس بالبحث عن صحة هذا النبإ ونحن نستبعد أن يكون العرب دخلوا اميركا ولم ينشروا فيها الاسلام او ان يكون الاسلام انتشر فيها ثم انقرض منها قبل وصول الاسبانيين اليها ولكننا نرجح ان يكون الذين ادخلوا اليها الكلمات العربية أناسا من البربر او من الأفريقيين الذين تعلوا العربية فان ابن بطوطة الرحالة المشهور الذي ضرب في أكثر البلاد الافريقية شرع في رحلته سنة 1324 لميلاد ( 725 هجري) فوجد العربية منتشرة فيها. وكان ذلك قبل رحلة كولمبوس الأولى باكثر من 150 سنة . 
ولا يمكن القول الفصل في هذه المسألة الا بعد الاطلاع على كتب و يتر والوقوف على ادلته واسانیده.

وعسى أن يهتم المطلعون على التواريخ والرحلات العربية بالبحث عما فيها مما يؤيد ذهاب العرب الي اميركا بين القرن التاسع والخامس عشر غير حديث الاخوة المغرورين لان ذلك الحديث لا يروي غليلا ولا يبعد أن يوجد في مكاتب اسبانيا والمغرب الاقصى وتونس والجزائر والقيروان ما يشير الى اسفار تجار العرب في تلك القرون كما وجدت رحلة ابن بطوطة ومن العار علينا ان يعرف رجل اميركي من تاريخ العرب وآثارهم في اميركا اكثر مما نعرف نحن.

___________________________

*كانوا يمزجون الذهب بقليل من النحاس حتى يصاب ويلمع اذا صقل وقد حللت شذور الذهب التي جاء بها كولمبس من اميركا فوجد فيها من النحاس قدر ما يوجد في شذور غاة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق