وَهَهُنَا أَحْبَبْت ذكر رسَالَته إِلَى الإِمَام المطهر بن شرف الدّين الحسني الدَّاعِي بقطر الْيمن لحسن تنميقها وَكَثْرَة تحقيقها ومتانة ألفاظها وإيراقها، ورصانة إرعادها وإبراقها. وَهِي:
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم: هَذَا مثالنا الشريف السلطاني، وخطابنا المنيف العالي الخاقاني، لَا زَالَ نَافِذا مُطَاعًا بالعون الرباني، واليمن الصمداني، أرسلناه إِلَى الأميري الكبيري، العوني النصيري، الهمامي المطهري، الشريفي الحسيبي النسيبي، فرع الشَّجَرَة الزكية، طراز الْعِصَابَة النَّبَوِيَّة العلوية، ونسل السلالة الهاشمية السّنيَّة المطهر بن شرف الدّين. نخصه بِسَلام أتم وثناء أَعم.
ونبدي لعلمه الْكَرِيم أَنه لَا يزَال يتَّصل بمسامعنا الشَّرِيفَة إخلاصه لدينا، وقيامه بِقَلْبِه وقالبه بمرضاة سلطاننا وانقياده إِلَى جانبنا، وبمقتضى ذَلِك حصل شكرنا التَّام، وَالثنَاء الْعَام، على مناصحته ومكاتبته.
وَلما برز أمراؤنا الشَّرِيفَة مسابقين مُتَتَابعين مَعَ وزيرنا الْمُعظم سُلَيْمَان باشا إِلَى الْبِلَاد الْهِنْدِيَّة لفتح تِلْكَ الْجِهَات السّنيَّة؛ إحْيَاء لسنة الْجِهَاد، وَقطع دابر الْفساد وَأهل العناد. فَاسْتَبْشَرَ بذلك كل مُسلم وَصَارَ فَرحا مَسْرُورا، فَوَقع قدر الله وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا.
فَرجع وزيرنا الْمشَار إِلَيْهِ فَوجدَ طَائِفَة من اللوند قد تملكوا (زبيد) من المملكة اليمنية، وَحصل مِنْهُم غَايَة المشاق بأذى الرّعية، وَزَاد ظلمهم على الْعباد والبلاد، وَعم ضررهم كل حَاضر وباد، فتتبع آثَارهم وَقطع دابرهم، واستنقذ الرعايا من أَيْديهم وَصَارَت مملكة زبيد من ممالكنا الشَّرِيفَة، وَعَاد إِلَى أعتابنا المنيفة، وأبرز من يَدَيْهِ مكتوبكم ومكتوب والدكم يتَضَمَّن الْإِخْلَاص لطاعة سلطاننا، وأنهما صَارا من أتباعنا، اللائذين بأعتابنا، وبموجب ذَلِك حصل عندنَا لكم زِيَادَة الْمحبَّة الصادقة وَحسن الْمَوَدَّة، وتحققنا مَا كَانَ يبلغنَا عَنهُ على أَلْسِنَة النَّاس السفار، المتمرددين على أعتابنا الشَّرِيفَة من تِلْكَ الديار، وبلغنا الْآن عَنْهُمَا خلاف ذَلِك وَتغَير مَا كاتبنا بِهِ فِي السَّابِق، مثل غير مُطَابق. وَأَنه وَقع بَينهمَا وَبَين أمرائنا وعساكر دولتنا بِتِلْكَ الْبِلَاد خُلف كَبِير، ووقائع عَم ضررها الْمَأْمُور والأمير، وَهَذَا عين الْخَطَأ الْمَحْض الَّذِي يَتَرَتَّب عَلَيْهِ ذهَاب الرّوح لمن عقل وَفهم { إِن الله لَا يُغَيّرُ مَا بِقَومٍ حَتَى يُغَيِروا مَا بِأَنفُسِهِم } [الرَّعْد: 11]، فَالْآن ملكنا الشريف السَّامِي قد ملك بعون الله تَعَالَى بِسَاط الأَرْض شرقاً وغرباً، وَصَارَت سلطنتنا الْقَاهِرَة كالإبريز الْمُصَفّى، بعون النَّبِي الْمُصْطَفى، ورقم سجل سعادتنا بآيَات النَّصْر، على أهل الْعَصْر، وعَلى سَائِر الْمُلُوك بإحياء سنة الْجِهَاد إِلَى يَوْم الْعرض { ذَلِكَ فَضلُ اَللهِ يُؤتيهِ مَن يَشَاء } [الْجُمُعَة: 4]، { وَأَماً مَا ينفع النَّاس فيمكث فى الأَرْض } [الرَّعْد: 17]، وعساكرنا المنصورة أَيْنَمَا انخرطت خرطت، وأينما سَقَطت التقطت، وحيثما سلكت ملكت، وَأَيْنَ حلت فتكت، لَا يعجزهم صَغِير وَلَا كَبِير، وَلَا جليل وَلَا حقير، وَلَو شِئْنَا لعينا من عساكرنا المنصورة شرذمة قَلِيلُونَ. نَحْو مائَة ألف أَو يزِيدُونَ، مشَاة وركباناً من الْبر وَالْبَحْر، لأمرائنا ولأمرنا ممتثلون، ونقوي عَددهمْ بالاستعداد، ونشدهم بِالْقُوَّةِ والآلة والزاد، وَنَتبع الْعَسْكَر بالعسكر، ونملأ الْبر وَالْبَحْر، ونلحق الْجَيْش بالجيش من كل أسود وأحمر، حَتَّى يتَّصل أول عساكرنا بآخرهم، وواردهم بصادرهم، وَيكون أَوَّلهمْ فِي الْبِلَاد اليمانية، وَآخرهمْ فِي بِلَادنَا المحمية.
وَلَا نحتاج نعرفكم بقدرة سلطاننا وتشييد أَرْكَان دولتنا وَتَشْديد عزمتنا. فَإِن الْمُلُوك ذَوي التيجان، وَأَصْحَاب الْقُوَّة والإمكان، لَا يزالون خاضعين لهيبتنا الشَّرِيفَة قهرا عَلَيْهِم، مطأطئين رُءُوسهم خشيَة مِمَّا يلْحق بهم عِنْد الْمُخَالفَة وَيصير إِلَيْهِم، وَذَلِكَ مَشْهُور وَمَعْلُوم، وَظَاهر لَيْسَ بمكتوم، لَكِن غلب حلمنا عَلَيْهِ من تَعْجِيل النكاية إِلَيْهِ كَونه من سلالة سيد الْمُرْسلين، وَمن أهل بَيت النُّبُوَّة الطاهرين، ولازم على ناموس سلطنتنا الشَّرِيفَة أَن ننبه قبل اتساع الْخرق عليه، ونعرفه بِمَا يحل بِهِ وَيصير إِلَيْهِ، وَكَونه آوى إِلَى الْجبَال يتحصن بهَا عَن الزَّوَال، وَيَزْعُم أَن ذَلِك ينجيه فَهَذَا عين الْمحَال، وتدبيره تدميره على كل حَال، جهل ذَلِك أم علم { لَا عَاصمَ اليوَمَ مِن أَمرِ اَللهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ } [هود: 43]، { أَين اَلمفرُ كلا لَا وَزَرَ } [الْقِيَامَة: 10، 11]، وَلَا لهارب من سلطنتنا مفر.
وَقد اقْتَضَت أوامرنا الشَّرِيفَة تعْيين افتخار الْأُمَرَاء الْكِرَام، صَاحب الْعِزّ والاحتشام، الْمُخْتَص بعناية الْملك والعلام مصطفى باشا، دَامَت معدلته، ونفذت كَلمته باشا على العساكر المنصورة، وصحبته ثَلَاثَة آلَاف من الْجند المؤيدة بِاللَّه مشَاة ورماة، حماة كفاة، إِعَانَة لأمير الْأُمَرَاء الْكِرَام، ذَوي الْقدر والاحترام، الْمَخْصُوص بمزيد عناية الْملك العلام، ازدمر باشا دَامَت معدلته وحرست نعْمَته، وعينا من الْبر ألفي فَارس، وهيأنا مثلهَا بعددها وعليقتها من الْبَحْر، فَعرض على مسامعنا الشريف مصطفى باشا أَن أَن يُؤَخر تجهيز الْجَيْش الْمَذْكُور من الْبَحْر إِلَى حِين يتَوَجَّه إِلَى تِلْكَ الْجِهَات وَينظر فِي الْأَحْوَال، وَمَا عَلَيْهِ أهل تِلْكَ الأقطار من الْحَال، وَإِذا وَقع من أحد خلاف، وَاحْتَاجَ إِلَى الْخُيُول الْمَذْكُورَة فيجهز إِلَيْنَا لطلبهم فتصل إِلَيْهِ على مَا يحب، فأخرنا ذَلِك إِلَى حِين يعود الْجَواب بتحقيق الْأَخْبَار عَن الإِمَام وَولده. فحال وُصُول مصطفى باشا الْمشَار إِلَيْهِ إِلَى تِلْكَ الديار، واستقراره بِتِلْكَ الأقطار، وَلَا بُد أَن تحضر إِلَى خدمته، ممتثلاً لكلمته، وتقابله بقلب منشرح، وَصدر منفسح، وتمشي تَحت صناجقنا الشَّرِيفَة، وَتدْخل تَحت طاعتنا المنيفة، وَتَكون مَعَ عساكرنا مُنْضَمًّا لأوامرنا على قلب رجل وَاحِد، غير متقاعس وَلَا متقاعد. فَإِن مصطفى باشا الْمشَار إِلَيْهِ، باشا عساكرنا وَخَلِيفَة أمرنَا، وَكَلَامه من كلامنا. وَأمره من أمرنَا، وَنَهْيه من نهينَا، وَمن أطاعه فقد أطاعنا، وَمن خَالفه فقد خَالَفنَا، ونعوذ بِاللَّه من الْمُخَالفَة، وَعدم الانقياد والمؤالفة، فليتفكر المطهر فِي نَفسه، قبل حُلُول رمسه، وليتنبه من رقدته، ويصحو من غفلته، ويفيق من سكرته.
فَإِن فعل ذَلِك وانضم إِلَى سلطنتنا الشَّرِيفَة، فقد رحم نَفسه وصان مهجته وَيرى من دولتنا العادلة غَايَة الرِّعَايَة، وبلوغ الأمنية مَعَ الزِّيَادَة إِلَى حد النِّهَايَة.
وَأَنه إِذا دخل تَحت طاعتنا وَمَشى على الاسْتقَامَة لدينا، وانضم إِلَى عساكرنا فننغم عَلَيْهِ بأمرنا الشريف بِمَا يسْتَحق بِهِ فِي مَمْلَكَته مُسْتقِلّا بِهِ من غير معَارض لَهُ فِي ذَلِك، وَلَا مُنَازع لَهُ فِيمَا هُنَالك، فَحَيْثُ فعلت فَأَنت من الفائزين، لَا تخف وَلَا تحزن، إِنَّك الْيَوْم لدينا مكين أَمِين، وَإِن حصل وَالْعِيَاذ بِاللَّه مُخَالفَة، وَاسْتمرّ على العناد والمجانفة، وانهمك فِي الضلال، والمكابرة والخيال، فَيُصْبِح ذَنبه فِي رقبته، وَيهْلك نَفسه بِيَدِهِ { وَمَا ظلمنهم وَلَكن كاَنوُا أَنفُسَهُم يَظْلِمُونَ } [النَّحْل: 118]، وَيدخل فِي قَول أصدق الْقَائِلين: { يُخرِبوُنَ بيوُتَهُم بِأَيدِيهِم وَأَيدي اَلمُؤمنينَ } [الْحَشْر: 2]، وَيصير بعد الْوُجُود إِلَى الْعَدَم، ويندم حَيْثُ لَا يَنْفَعهُ النَّدَم، وَقد حذرنا رأفة بِهِ وتحننا عَلَيْهِ، بإصدار هَذَا الْكتاب إِلَيْهِ، فَإِن خَالف أتيناه بِجُنُود لَا قبل لَهُ بهَا، وأخرجناه مِنْهَا ذليلاً حَقِيرًا، لَا ملْجأ لَهُ من سلطنتنا إِلَّا إِلَيْهَا الَّتِي هِيَ لِمن سَالَمَهَا ظلاً ظليلاً، وعَلى من خالفها عذَابا وبيلاً، وَمثله لَا يدل على الصَّوَاب فليعتمد على ذَلِك وعلامتنا الشَّرِيفَة حجَّة عَلَيْهِ وَالسَّلَام عَلَيْهِ.
فَكتب إِلَيْهِ الإِمَام المطهر الْجَواب وَهُوَ: نور الله شمس الْإِسْلَام وأطلعها، وفجر عُيُون الشَّرِيعَة وأنبعها، ولألأ كواكب الدّين الحنيفي وأسطعها، وَأَعْلَى منار الْملَّة الْبَيْضَاء ورفعها، وزلزل جموع الظُّلم والعداوة وزعزعها، وأرعد قُلُوب الْجَبَابِرَة المردة وأرعبها، وَألف بَين قُلُوب الْمُسلمين وَجَمعهَا، بدوام دولة مَوْلَانَا السُّلْطَان الْمُعظم الْعَظِيم، ذِي الْملك الباهر القاهر الْعَقِيم، الْقَاطِع بسيوف عزمه عنق كل جَبَّار أثيم، الَّذِي أُوتِيَ الْحِكْمَة والتحية وَالله يُؤْتِي من يَشَاء فَضله العميم. شمس الْخلَافَة المضيئة فِي اللَّيْل البهيم، ظلّ الله فِي أرضه الْقَائِم بسنته وفرضه القويم، حجَّة الله الْوَاضِحَة للحق على التَّعْمِيم. أَمِينه على خلقه، وخليفته الْقَائِم بِحقِّهِ بِتَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم. المتسم بحماية آل الرَّسُول، وَأَبْنَاء فَاطِمَة البتول، سلالة النَّبِي الْكَرِيم، الباسط عَلَيْهِم ظلّ عدله فَلَا ينالهم حَر الْجَحِيم، فهم راتعون فِي رياض إحسانه وَلها نبت وسيم، وكارعون من حِيَاض امتنانه الَّتِي لَا يشوب صفوها الدَّهْر المليم. سامي الفخار، زكي الأَصْل والنجار.
الفائز بحوز قصبات السَّبق فِي الْحسب الصميم. الْكَاف لأكُف من تعاشى عَن الْهِدَايَة، وسلك مسالك الغواية، وَكَانَ لَهُ فِي العجرفة تصميم.
الَّذِي لَا تحصى صِفَاته بتعداد، وَلَو أَن الشّجر أَقْلَام وَالْبَحْر مداد، واسأل بذلك كل خَبِير عليم. الخنكار الْكَبِير، والخاقان الشهير سُلَيْمَان بن سليم.
أهدي إِلَى مقَامه نَجَائِب التَّحِيَّة وَالتَّسْلِيم، وَرَحمته الطّيبَة، وَبَرَكَاته الصيَّبة، الموصولة بنعيم دَار النَّعيم, وحرس جنابه العالي، وَحرمه الْمُحْتَرَم من صروف اللَّيَالِي، بِمَا حفظ بِهِ الْآيَات وَالذكر الْحَكِيم. فَإِنَّهُ ورد من تلقائه - أَطَالَ الله للْمُسلمين فِي بَقَائِهِ - مرسوم سطعت أنواره، وطلعت بالمسرة شموسه وأقماره، وتضاحكت فِي عرصات الْمجد كمائمه وأزهاره، وَجَرت فِي جداول الْحَمد أنهاره، وتحاسد على مشرفه ليل الزَّمَان ونهاره. مرسوم تقر بِهِ الْعُيُون، وَتصْلح بِهِ الْأَحْوَال والشئون، أنشئ لله نجاره فوجدناه أشفى من الترياق، وأبهى من الإثمد فِي دعجٌ الأحداق. يتبلج تبلج الْبَرْق، ويحلب الْخيرَات تحلب الودق، يفوق اللُّؤْلُؤ الثمين منشوراً، ويفضح شقائق النُّعْمَان زهوراً، وَيجْعَل مَمْدُود الثَّنَاء عَلَيْهِ مَقْصُورا. فتعطرت الأندية بنشره، وأعلنت الألسن بِحَمْدِهِ وشكره، وهب فِي الْبَوَادِي والأمصار نسيم ذكره، وَدخلت النَّاس أَفْوَاجًا تَحت نَهْيه وَأمره: [من الْخَفِيف]
حَبَّذا مُدْرَجًا كَرِيمًا جَليْلاً ... زَانَهُ مُنْشِىءٌ كَرِيمٌ جَلِيلُ
لَفْظهُ الدُّرُّ فِي السُّمُوطِ وفَخْرًا ... وبِمَعْنَاهُ سَلْسَلٌ سَلْسَبِيلُ
وإِذَا المُدْرَجَاتُ كَانَتْ مُلُوكًا ... فَهْوَ فِيهَا وبَيْنَها إِكْلِيلُ
مُدْرَجٌ فِيهِ للبَهاءِ غُدو ... ومَرَاحٌ ومَسْرحٌ ومَقِيلُ
فَللَّه در أنامل صاغته بالبلاغة، وضمنته مَا يعجز عَنهُ قدامَة وَابْن المراغة، فَلَو رَآهُ الْملك الضليل لطأطأ رَأسه خاضعاً.
وعرفنا مَا ذكره سُلْطَان الْأُمَم، وَملك رِقَاب الْعَرَب والعجم، المتسم بحماية الْحرم، من الْإِحَاطَة بطاعتنا، ودخولنا تَحت لوائه وأقواله وأفعاله، وَالْحَمْد لله الَّذِي وفقنا لطاعته، وردنا عَن السلوك فِي مُخَالفَته، فَإِن لنا بكم الْحَظ الأوفر مَعَ زِيَادَة الْحسنى، والنصيب الأفخر الأهنى.
وَنَرْجُو نيل الشّرف الْكَامِل الْأَكْمَل، ونجح المُنَى والمطالب، وبلوغ نِهَايَة الْأَمَانِي والمآرب. فَمن اسستمسك بعروتكم الوثقى فَازَ بمطالبه، ونال الْغَايَة القصوى من مآربه، وَرفع لَهُ الدَّرَجَات السامية الْعلية، وَتمّ لَهُ بذلك كل سُؤال وأمنية، ويحظى بعيشة هنيَّة، راضية مرضية. وَهَذِه طَريقَة مَعْرُوفَة، وَسنة قديمَة مألوفة. لَا تميل عَن الوفا، وَلَا تكدر من ذَلِك المشرب مَا صفا> كَيفَ وطاعتكم من طَاعَة الْملك الْخَالِق، ومعصيتكم تظلم مِنْهَا المغارب والمشارق، وَنحن من مودتكم على يَقِين، وَنَرْجُو أَن لَا تصفوا أذنا الْكَلَام الْفَاسِقين، وَلَا تهملوا رِعَايَة الصَّالِحين الْمُتَّقِينَ، وَلَا تقطعوا حق ذُرِّيَّة النَّبِي الْأمين، وَأَبْنَاء عَليّ الأنزع البطين، كرم الله وَجهه فِي عليين { قل لَا أسئلكم عليهِ أجرا إِلا المَوَدةَ فِي القُربى } [الشورى: 23]، وَذَلِكَ نَص الْكتاب الْمُبين.
فَأنْتم أولى برعاية من أَمر الله أَن يرْعَى، وَمن تقر بِهِ من عِترَةِ النَّبِي أذنا وسمعاً، فكم لكم من محامد مشكورة، ومفاخر مَشْهُورَة، ومعاني جميلَة منثورة، نؤمل أَن تشقوا بحسامها نوافج الوشاة، وتردوا كيد كل كَذَّاب لَا يراقب الله وَلَا يخشاه، وَالَّذِي يَنْقُلهُ إِلَيْكُم أَرْبَاب الزُّور، والإفك والفجور. من تَحَوَّلْنَا عَن طَاعَة السُّلْطَان الْأَعْظَم، ومخالفتنا لما سبق من مودتنا وَتقدم. كذب يُعلمهُ الداني والقاصي، وَمن التمويه الَّذِي لناقله أَشد الاقتصاص. حاشا وكلا أَن نرضى مُخَالفَة، أَو نَمِيل عَن الْأَحْوَال السالفة، أَو ننكر تِلْكَ المعارف العارفة، نَعُوذ بِاللَّه من الحَوْرِ بَعْدَ الكَوْرِ، أَو نَكُون مِمَّن تعدى الْحَد بعد الطّور، وتقاعد عَن طاعتكم وَهِي مَحل السَّعْي إِلَيْهَا على الْفَوْر، فنكون كمن اشْترى الضَّلَالَة بِالْهدى، وتحول عَن السَّلامَة إِلَى مخاوف الردى، وَآل الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أعرف النَّاس بِالصَّوَابِ. وأعلمهم بمعاني السّنة وَالْكتاب. أطِيعُوا الحَدِيث. وَمن نسب إِلَيْهِم خلاف ذَلِك فَهُوَ خَبِيث نبيث. فثقوا منا بالمحبة الراسخة أطنابها، والمودة الشامخة قبابها، وَالرِّعَايَة المفتحة أَبْوَابهَا.
وَالَّذِي أشرتم إِلَيْهِ فِي سامي الْخطاب، وبطاقة الْكتاب، من بُلُوغ مخالفتنا لعساكركم المنصورة، وكتائبكم الواسعة الموفورة، لَيْسَ لَهُ صِحَة وَلَا ثبات، وَلَا كَانَ لنا إِلَى حربهم تعد وَلَا الْتِفَات، بل قصدونا إِلَى تِلْكَ الْجِهَات، وجلبوا علينا أتراكاً وأرواماً، وهتكوا أستاراً كَانَت بَيْننَا وَبينهمْ وذماماً، وَلَا راعوا لأوامركم الشَّرِيفَة فِينَا أحكاماً، وضيقوا علينا مسالك الْمَعيشَة خلفا وأماماً، ورمونا بمدافع لَا يرْمى بهَا إِلَّا الَّذين يعْبدُونَ أوثاناً وأصناماً.
وَنحن من الَّذين أوجب الله لَهُم احتراماً، نُقِيم الشَّرَائِع ونميت الْبَدَائِع وَلم نلق أثاماً، وَمن الَّذين يبيتُونَ لرَبهم سجدا وقياماً. فدافعنا عَن أَنْفُسنَا وَأَوْلَادنَا بِمَا أمكن من الدفاع، وَترك الزِّيَادَة عَنْهَا لَا يُسْتَطَاع. وَنحن فِي مهَاجر يسير، وَمَكَان يأوي إِلَيْهِ البائس الْفَقِير، لَا ينافس من اعْتصمَ بِهِ، وَاقْتصر على طَاعَة ربه.
وَلَو أَن عساكركم المنصورة الألوية، الْمسلمَة من صروف الْأَقْضِيَة، وجهوا هممهم الْعلية، وعزائمهم الصلبة القوية، إِلَى الْجِهَات العصية الكفرية. إِذا لنالوا من الْخيرَات نيلاً عَظِيما، ولسلكوا سَبِيل السَّعَادَة صراطاً مُسْتَقِيمًا، وأدركوا من فضل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خيرا ونعيماً.
بيد أَن تشاغلوا بحربنا عَن جَمِيع الحروب، وفوتوا بذلك كل غَرَض لَهُم ومطلوب، وأهملوا جِهَات الْكفَّار حَتَّى سقط الْجنُوب، وهبت فِي دَار الْإِسْلَام للشرك جنوب. وَحين وصل المرسوم المشرف، والمثال الْكَرِيم الْمُعَرّف، طبنا بِهِ نفوساً، وسلكنا بِهِ محلا من الْأَمْن مأنوساً، ودفعنا بِهِ عَن وُجُوه الْحق ظلاماً وعبوساً، وضلالاً وبوساً.
وخمدت نيران الْحَرْب، وغلت أَيدي الطعْن وَالضَّرْب. فقررنا بِمَا قررتموه كل قلب، فَإِن امتثل من حوالينا من الاْمراء الأكابر، لما صدر عَنْكُم من الْمَوَارِد والمصادر، فَتلك الْمنية الْمَقْصُودَة، والضالة المفقودة، والدرة الثمينة المنقودة، وَالْغنيمَة الْعَظِيمَة الشاملة الممدودة. وَإِن خالفوا أوامركم المطاعة، وَقَابَلُوا نواهيكم بالإضاعة، فحسبهم عذابكم الوبيل، وَمَا تعدونه لمن خالفكم من التنكيل. وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل.
وَكُنَّا نود أَن نرسل إِلَى الْأَبْوَاب الشَّرِيفَة مَا تكن الْقُلُوب والصدور.
إِلَّا أَن هَؤُلَاءِ الَّذين يلوننا قطعُوا وسدوا من التواصل أوصالاً، وقعدوا لرسلنا بكرا وآصالاً، وصدوهم عَن الْوُصُول إِلَى أبوابكم الْعَالِيَة عَن جَمِيع الْأَبْوَاب، ومنعوهم عَن مناهج الذّهاب والإياب.
فولا مَا كَانَ مِنْهُم من الْمَنْع لما نُرِيد، لَكَانَ يصدر إِلَى أبوابكم الْعَالِيَة فِي كل شهر بريد.
وَحين وصل وكيلكم الْمُعظم الباشا مصطفى إِلَى الْجِهَات اليمنية، والديار الَّتِي هِيَ بِسيف قهركم محمية. بسط عدله فِي أهل الْيمن، وأخمد نيران الْفِتَن والمحن، وَأصْلح من الْأُمُور مَا ظهر وَمَا بطن، واطلع على الْحَقَائِق فِي الْمَاضِي واللاحق، وَمَا نَحن عَلَيْهِ بِحَمْد الله من حسن المساعي والطرائق، وكرم الْأُصُول الشَّرِيفَة والمعارق.
وَقد أرسل إِلَيْنَا قصاد أمجاد، محبون أوداد، عرفُوا جَمِيع الْأُمُور، وَأَحَاطُوا بِالظَّاهِرِ مِنْهَا والمستور.
وَلَعَلَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُهَيِّئ قدومه إِلَى صنعا. وَيحيى بِهِ للإله دينا وَشرعا، وَيقطع بِهِ دابر من خَالف أَمركُم قطعا.
ولعمري إِنَّه رجل عَظِيم، وَذُو خطب جسيم، بأرباب الدّين رءوف رَحِيم .
قد طابت شمائله، وراقت أَوْصَافه ومخايله. فَهُوَ بِكُل خير يجود، وَيحمل من طاعتكم مَا يشق على غَيره ويئود.
فَالله يَجْعَل سَعْيه مشكوراً، ويشرح بِأَعْمَالِهِ من الاسْتقَامَة قلوباً وصدورا، وَيدْفَع بِعَين عنايته عَن الْأَنَام وَالْإِسْلَام شروراً. ويملأ الْأَنْفس والأفئدة حبوراً إِن شَاءَ الله وسرورا. وَبعد: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
__________________________________
المصدر:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق