قلت: وَذكر الإِمَام الْمَذْكُور فِي كِتَابه الْمَذْكُور وَاقعَة لتيمور مَعَ الْعَلامَة القَاضِي محب الدّين أبي الْوَلِيد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مَحْمُود الْحلَبِي قاضيها الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الشّحْنَة أَحْبَبْت ذكر نَصهَا:
لما كَانَ يَوْم الْخَمِيس تَاسِع ربيع الأول من عَام ثَمَان وَثَمَانمِائَة أَخذ يَعْنِي تيمور قلعه حلب بالأمان والأيمان الَّتِي لَيْسَ مَعهَا ايمان، فَاسْتَحْضر علماءها وقضاتها فَحَضَرُوا إِلَيْهِ، وَطلب من مَعَه من أهل الْعلم فَقَالَ لكبيرهم عِنْده، وَهُوَ الْمولى عبد الْجَبَّار ابْن الْعَلامَة نعْمَان الدّين الْحَنَفِيّ، قل لَهُم: إِنِّي سائلهم عَن مسَائِل سَأَلت عَنْهَا عُلَمَاء (سَمَرْقَنْد) و(بخارى) و(هراة) و(خراسان)، وَسَائِر الْبِلَاد الَّتِي افتتحتها، فَلم يفصحوا الْجَواب، فَلَا تَكُونُوا مثلهم، وَلَا يجاوبني إِلَّا أعلمكُم وأفضلكم وليعرف مَا يتَكَلَّم بِهِ، فَإِنِّي خالطت الْعلمَاء ولي بهم اخْتِصَاص وألفة، ولي فِي الْعلم طلب قديم.
قَالَ صَاحب الْكتاب: وَكَانَ يبلغنَا عَنهُ أَنه بتعنت الْعلمَاء فِي الأسئلة، وَيجْعَل ذَلِك سَببا إِلَى قَتلهمْ أَو تعذيبهم.
قَالَ القَاضِي ابْن الشّحْنَة: فَقَالَ القَاضِي شرف الدّين مُوسَى الْأنْصَارِيّ الشَّافِعِي: هَذَا شَيخنَا ومدرس هَذِه الْبِلَاد ومفتيها - مُشِيرا إِلَى - سلوه وَالله الْمُسْتَعَان.
قَالَ فَقَالَ لي قاضيه عبد الْجَبَّار: سلطاننا يَقُول إِنَّه بالْأَمْس قتل منا ومنكم، فَمن الشَّهِيد: قتيلنا أم قتيلكم؟
فَوَجَمَ الْجَمِيع، وَقُلْنَا فِي أَنْفُسنَا: هَذَا الَّذِي كَانَ يبلغنَا عَنهُ من التعنت.
وَسكت الْقَوْم، فَفتح الله عَليّ بِجَوَاب سريع بديع. فَقلت: هَذَا سُؤال سُئِلَ عَنهُ سيدنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ،قَالَ لي صَاحِبي شرف الدّين الْمَذْكُور بعد أَن انْقَضتْ الْحَادِثَة: وَالله الْعَظِيم لما قلت: هَذَا السُّؤَال سُئِلَ عَنهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأَنا مُحدث زماني، قلت: عالمنا قد اخْتَلَّ عقله، فَإِن هَذَا سُؤال لَا يُمكن الْجَواب عَنهُ فِي هَذَا الْمقَام، وَوَقع فِي نفس عبد الْجَبَّار قاضيه مثل ذَلِك وَألقى إليّ تيمور سَمعه وبصره، وَقَالَ لعبد الْجَبَّار يسخر من كَلَامي: كَيفَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن هَذَا، وَكَيف أجَاب؟
فَقلت: جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن الرجل يُقَاتل حمية، وَيُقَاتل ليُري مَكَانَهُ من الشجَاعَة، فأينا الشَّهِيد فِي سَبِيل الله تعالى؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: (( مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمةُ اللهِ هِيَ العُلْياً فَهُوَ الشَهِيدُ )).
فَقَالَ تيمور لنك: خوب خوب. فانفتح بَاب المؤانسة فَكثر مِنْهُ السُّؤَال، وَكثر مني الْجَواب.
وَكَانَ آخر مَا سَأَلَ أَن قَالَ: مَا تَقولُونَ فِي عَليّ وَمُعَاوِيَة وَيزِيد؟
فَأسر إِلَى القَاضِي شرف الدّين: أَن اعرف كَيفَ تجاوبه فَإِنَّهُ شيعي، فَلم أفرغ من مساع كَلَامه إِلَّا وَقد قَالَ القَاضِي علم الدّين القفصي الْمَالِكِي كلَاما مَعْنَاهُ: إِن الْكل مجتهدون، فَغَضب لذَلِك غَضبا شَدِيدا، وَقَالَ: عَلِي عَلَى الْحق، وَمُعَاوِيَة ظَالِم، وَيزِيد فَاسق، وَأَنْتُم حلبيون تبع لأهل دمشق، وهم يزِيدُونَ قتلوا الْحُسَيْن.
قَالَ: فَأخذت فِي ملاطفته والاعتذار عَن الْمَالِكِي بِأَنَّهُ أجَاب بِشَيْء وجده فِي كتاب لَا يعرف مَعْنَاهُ، فَعَاد إِلَى دون مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْبسط.
قَالَ: وَلما كَانَ آخر شهر ربيع الْمَذْكُور طلبني ورفيقي القَاضِي شرف الدّين وَأعَاد السُّؤَال عَن عَليّ وَمُعَاوِيَة، فَقلت: لَا شكّ أَن الْحق كَانَ مَعَ عَليّ فِي نوبَته، وَلَيْسَ مُعَاوِيَة من الْخُلَفَاء فَإِنَّهُ صَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: (( الْخلَافَة بعدِي ثَلَاثُونَ سنة )) وَقد تمت بعلي وَابْنه الْحسن.
فَقَالَ تيمور لنك: قُل عَلِي عَلَى الْحق، وَمُعَاوِيَة ظَالِم.
فَقلت: قَالَ صَاحب الْهِدَايَة يجوز تقلد الْقَضَاء من وُلَاة الْجور فَإِن كثيرا من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ تقلدوا الْقَضَاء من مُعَاوِيَة، وَكَانَ الْحق مَعَ عَليّ فِي نوبَته، فأنس لذَلِك انْتهى من الْكتاب الْمَذْكُور مُلَخصا.
قلت: فِي قَوْله (فِي نوبَته) احْتِرَاز لطيف عَن نِسْبَة التَّعَدِّي إِلَى الصّديق، وتالييه كَمَا هُوَ مَذْهَبنَا معشر أهل السّنة وَالْجَمَاعَة، وَمَرَّتْ على تيمور وَلم يفْطن لذَلِك.
__________________________________________
المصدر:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق