قال الإمام ابن حزم: أخبرني هشام بابن البشتنى، عن الوزير أبي رحمه الله: أنه كان بين يدي المنصور أبي عامر، محمد بن أبي عامر في بعض مجالسه للعامة، فرفعت إليه رقعة استعطاف لأم رجل مسجون كان ابن أبي عامر حنقاً عليه لجرم استعظمه منه، فلما قرأها اشتد غضبه، وقال: ذكرتنى والله به! وأخذ القلم يوقع، وأراد أن يكتب: يصلب، فكتب: يطلق، ورمي الكتاب إلى الوزير.
قال: فأخذ أبوك القلم، وتناول رقعة وجعل يكتب بمقتضى التوقيع إلى صاحب الشرط.
فقال له ابن أبي عامر ما هذا الذي تكتب؟
قال: بإطلاق فلان.
قال: فحرد وقال: من أمر بهذا؟ فناوله التوقيع، فلما رآه قال: وهمت، والله ليصلبن، ثم خط على ما كتب، وأراد أن يكتب: يصلب، فكتب: يطلق؟
قال: فأخذ والدك الرقعة، فلما رأى التوقيع تمادى على ما بدأ به من الأمر بإطلاقه، ونظر إليه المنصور متمادياً على الكتاب، فقال: ما تكتب؟
قال: بإطلاق الرجل.
فغضب غضباً أشد من الأول، وقال: من أمر بهذا؟ فناوله الرقعة، فرأى خطه، فخط على ما كتب، وأراد أن يكتب: يصلب، فكتب: يطلق، فأخذ والدك الكتاب، فنظر ما وقع به، ثم تمادى فيما كان بدأ به، فقال له: ماذا تكتب؟
فقال: بإطلاق الرجل، وهذا الخط ثالثاً بذلك، فلما رآه عجب، وقال: نعم يطلق على رغمى، فمن أراد الله إطلاقه، لا أقدر أنا على منعه، أو كما قال.
____________________________________________
الحميدي: جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق