بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 28 يونيو 2014

أكلة يحبها الرسول صلى الله علية وسلم ( الحيس )



بسم الله والحمد لله كالذي مقول وخيرا مما نقول والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله علية وسلم وعلى آلة وصحبة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين:
وبعد,
فقد ذكرت أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أن المصطفى صلى الله علية وسلم يحب الحيس, وهو خليط من تمر وأقط (لبن مجفف) وسمن.


عَنْ أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -  قَالَتْ : دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : (( هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ ))؟ فَقُلْتُ : لا ، قَالَ : (( فَإِنِّي صَائِمٌ )) ، قَالَتْ : ثُمَّ مَرَّ بِي بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَقَدْ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ بِالأَمْسِ وَقَدْ خَبَّأْتُ لَهُ مِنْهُ وَكَانَ يُحِبُّ الْحَيْسَ ، قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّهُ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ فَخَبَّأْتُ لَكَ مِنْهُ ، قَالَ : (( أَدْنِيهِ أَمَا إِنِّي أَصْبَحْتُ وَأَنَا صَائِمٌ )) فَأَكَلَ مِنْهُ .
رواة االنسائي (2322) وحسنة الألباني ، الإرواء ( 4 / 135 - 136 ).


والحيس :
حيس بفتح الحاء المهملة وسكون ياء تمر مخلوط بسمن وأقط , وقيل طعام يتخذ من الزبد والتمر والأقط وقد يبدل الأقط بالدقيق والزبد بالسمن وقد يبدل السمن بالزيت. (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 4/1430 حديث:2075).


وتختلف تسميتها وطريقة تحضريها في بلاد الإسلام.
ولكن مادتها الرئيسية التمر واللبن والسمن.



الثلاثاء، 17 يونيو 2014

بين ملك الصين وكسرى الفرس


نحن الآن في القرن الخامس عشر من التاريخ العربي (1435 هـ ) وفي الميلادي القرن الحداي والعشرون (2014م) و تدور أحداث هذة القصة في بدايات القرن الأول من التاريخ العربي وفي الميلادي النصف من القرن السابع بين كسرى الفرس يزدجرد الثالث ( حكم بين 11هـ  إلى 30 هـ  --- 632 م إلى 651 م)
وقد عاصر أمبراطورين من أباطرة الصين وهما الأمبراطور Tàizōng (حكم بين 5 هـ  إلى 28 هـ  --- 626 م إلى 649 م )
والأمبراطور الآخر Gaozong ( حكم بين 28 هـ  إلى 63 هـ  --- 649م إلى 683م )* :-

عندما أنتصر العرب على الأمبراطورية الفارسية في معركة " نهاوند " , ما كان من يزدجرد الثالث كسرى الفرس وآخر ملوكهم إلا أن يستنجد بالملوك من حولة فأرسل رسول إلى الأمبراطورية الصينية .
قال رسول كسرى لما قدمت بالكتاب والهدايا إلى أمبراطور الصين , كافأني , وقال لي : قد عرفت أن حقا على الملوك إنجاد الملوك على من غلبهم فصف لي صفة هؤلاء القوم الذين أخرجوكم من بلادكم فإنني أراك تذكر قلة منهم وكثرة منكم ولا يبلغ أمثال هؤلاء القليل الذين تصف منكم فيما أسمع من كثرتكم إلا بخير عندهم وشر فيكم .
فقلت : سلني عما أحببت .
فقال : أيوفون بالعهد .
قلت : نعم .
قال : وما يقولون لكم قبل أن يقاتلوكم .
قلت : يدعوننا إلى واحدة من ثلاث إما دينهم فإن أجبناهم أجرونا مجراهم أو الجزية والمنعة أو المنابذة .
قال : فكيف طاعتهم أمراءهم .
قلت : أطوع قوم لمرشدهم .
قال : فما يحلون وما يحرمون , فأخبرته .
فقال : أيحرمون ما حلل لهم أو يحلون ما حرم عليهم .
قلت : لا  .
قال : فإن هؤلاء القوم لا يهلكون أبدا حتى يحلوا حرامهم ويحرموا حلالهم .
ثم قال : أخبرني عن لباسهم , فأخبرته , وعن مطاياهم .
فقلت : الخيل العراب ووصفتها .
فقال : نعمت الحصون هذه , ووصفت له الإبل وبروكها وانبعاثها بحملها .
فقال : هذه صفة دواب طوال الأعناق .
وكتب معه إلى يزدجرد كتابا : إنه لم يمنعني أن أبعث إليك بجيش أوله بمرو وآخره بالصين الجهالة بما يحق علي ولكن هؤلاء القوم الذين وصف لي رسولك صفتهم لو يحاولون الجبال لهدوها ولو خلي سربهم أزالوني ما داموا على ما وصف فسالمهم وارض منهم بالمساكنة ولا تهجهم ما لم يهيجوك .
_____________________________________

[ ذكرت هذة القصة في أشهر كتاب في التاريخ العربي وهو تاريخ الأمم والملوك أو تاريخ الرسل والملوك المعروف بـ تاريخ الطبري تأليف الإمام محمد بن جرير الطبري المتوفى 310 هـ .
وهو صاحب أشهر تفسير للقرآن الكريم المسمى بجامع البيان عن تأويل آي القرآن , والذي قال فية أبو حامد الإسفراييني المتوفى سنة 406 هـ  : " لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل له كتاب تفسير ابن جرير لم يكن ذلك كثيرًا" ] .

* مصدر معلومات حكم كسرى والأمبراطورين الصينيين من الموسوعة الحرة ويكيبيديا .

الاثنين، 16 يونيو 2014

فصل: في هديه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ في حفظ الصّحّة


قال الله تعالى : {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} ، [الأعراف من الآية: 31]، فأرشدهم إلى إدخال ما يقيم البدن من الطّعام والشّراب عوض ما تحلّل منه، وأن يكون بقدر ما ينتفع به البدن في الكمية والكيفية، فحفظ الصّحّة في هاتين الكلمتين.

ولما كانت الصّحّة والعافية من أجلّ النّعم، بل العافية المطلقة أجل النّعم على الإطلاق، فحقيق بك حفظها.
ولهذا قال النَّبِيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: "نعمتان مغبون فيهما كثير من النّاس: الصّحّة والفراغ" ، وفي التّرمذي وغيره مرفوعا: "مَن أصبح معافى في جسده، آمناً في سربه، عنده قوت يومه، فكأنّما حيزت له الدّنيا" ، وفيه أيضاً مرفوعاً: "أوّل ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النّعم أن يقال: ألم نصحّ لك جسمك؟ ونروك من الماء البارد".

ومن هنا مَن قال من السّلف في قوله: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} ، [التّكاثر: 8]، قال: عن الصّحّة.

ولأحمد مرفوعاً: "سلوا الله اليقين والمعافاة، فما أُوتي أحد بعد اليقين خيراً من العافية" ، فجمع بين عافيتَي الدّين والدّنيا.
وفي (سنن النّسائي) مرفوعاً: "سلوا الله العفو والعافية والمعافاة، فما أُوتي أحد بعد اليقين خيراً من معافاةٍ" ، وهذه الثّلاثة تتضمن إزالة الشّرور الماضية بالعفو، والحاضرة بالعافية، والمستقبلة بالمعافاة.
ولم يكن من عادته ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ حبس النّفس على نوعٍ واحدٍ من الأغذية، فإنّه مضرّ ولو أنّه أفضل الأغذية، بل يأكل ما جرت عادة أهل بلده بأكله.

قال أنس: ما عاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ طعاماً قطّ، إن اشتهاه أكله، وإلاّ تركه. ومتى أكل الإنسان ما لا يشتهي، كان تضرّره به أكثر من نفعه، وكان يحبّ اللّحم، وأحبّه إليه الذّراع، ومقدم الشّاة وهو أخفّ وأسرع انهضاماً.
وكان يحبّ الحلوى والعسل، واللّحم والحلوى والعسل من أنفع الأغذية.
وكان يأكل من كلّ فاكهة بلده عند مجيئها، وهو من أسباب حفظ الصّحّة، فإنّ الله سبحانه بحكمته جعل في كلّ بلدٍ من الفاكهة ما يكونُ من أسباب صحّة أهلها، وقلّ مَن احتمى عن فاكهة بلده خشية السّقم إلاّ وهو من أسقم النّاس جسماً.

وصحّ عنه أنّه قال: "لا آكل متكّئاً" ، وقال: "إنّما أجلس كما يجلس العبد، وآكل كما يأكل العبد" ، وفسّر بالتّربّع، وبالاتّكاء على الشّيء، وفسّر بالاتّكاء على الجنب، والثّلاثة من الاتّكاء.

وكان يأكل بأصابعه الثّلاث، وهو أنفع ما يكون.

وكان يشرب العسل الممزوج بالماء البارد، وصحّ عنه أنّه نهى عن الشّرب قائماً.
وصحّ عنه أنّه أمر مَن فعله أن يستقيء، وصّح عنه أنّه شرب قائما، فقيل: نسخ النّهي، وقيل: تبيّن أنّه ليس للتّحريم، وقيل: يشرب قائماً للحاجة.

وكان يتنفّس في الشّراب ثلاثاً ويقول: "إنّه أروى وأمرأ، وأبرأ" ، أي: أشدّ ريّاً، وأبرأ: من البرء، وهو الشّفاء، أي: يُبرئ من العطش، وأمرأ: من مري الطّعام والشّراب في بدنه: إذا دخله وخالطه بسهولةٍ ولذّةٍ ونفعٍ، ومنه: {فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} ، [النّساء من الآية: 4]، هنيئاً في عاقبته، مريئاً في مذاقته.
وللتّرمذي عنه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: "لا تشربوا نفساً واحداً كشرب البعير، ولكن اشربوا مثنى، وسمّوا الله إذا شربتم، واحمدوا إذا أنتم فرغتم".

وفي (الصّحيح) عنه: "غطوا الإناء، وأوكوا السّقاء، فإنّ في السّنة ليلةً ينْزل فيها وباء، لا يمر بإناءٍ ليس عليه غطاء ولا سقاء، ليس عليه وكاء إلاّ وقع فيه من ذلك الدّاء".
قال اللّيث بن سعد أحد رواة الحديث: الأعاجم عندنا يتّقون تلك اللّيلة في كانون الأوّل.
وصحّ عنه أنّه أمر بتخمير الإناء ولو أن يعرض عليه عوداً.
وصحّ عنه أنّه أمر عند الإيكاء والتّغطية بذكر اسم الله، ونهى عن الشّرب من فم السّقاء، وعن النّفس في الإناء والنّفخ فيه، وعن الشّرب من ثلمة القدح.


وكان لا يردّ الطّيب، وقال: "مَن عرض عليه ريحان، فلا يردّه، فإنّه طيب الرّيح، خفيف المحمل" ، ولفظ أبي داود والنّسائي: "مَن عرض عليه طيب" ، وفي (مسند البزار) عنه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: "إنّ الله طيّب يحبّ الطّيّب، نظيف يحبّ النّظافة، كريم يحبّ الكرم، جواد يحبّ الجود، فنظّفوا أفناءكم وساحاتكم، ولا تشبهوا باليهود يجمعون الأكباء في دورهم" ، ـ ألأكب: الزّبالة.
وفي الطّيب من الخاصية أنّ الملائكة تحبّه، والشّياطين تنفر عنه، فالأرواح الطّيّبة تحبّ الأرواح الطّيّبة، والأرواح الخبيثة تحبّ الأرواح الخبيثة، فـ {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَات}، [النّور من الآية: 26]، وهذا وإن كان في الرّجل والنّساء، فإنّ يتناول الأعمال والأقوال، والمطاعم والمشارب والملابس والرّوائح، إمّا بعموم لفظه، وإمّا بعموم معناه.

_____________________________________________________________________
 مختصر زاد المعاد لإمام ابن قيم الجوزية رحمة الله تعالى أختصرة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحنة الله تعالى .

الخميس، 12 يونيو 2014

قبل أن تضربوا أبنائكم مروهم 5310


بسم الله والحمد لله كالذي نقول وخيرا" مما نقول, والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( مروا أبناءكم بالصلاة لسبع , واضربوهم عليها لعشر , وفرقوا بينهم في المضاجع )) .  رواه أحمد وأبو داود والترمذي


أي قبل أن تبدأ بالضرب لابد أن تأمرهم من بداية سن السابعة إلى العاشرة
أي ثلاث سنوات
36 شهر
156 أسبوع
وإذا كانت السنة الهجرية 354 يوما" تقريبا"
وفي اليوم 5 صلوات تأمر أبنائك فيها
فمجموعها في ثلاث سنوات : 5310 مرة تأمرهم فيها بالصلاة !!!


أخي المسلم كم مرة أمرت أبنائك في هذة الفترة ؟؟؟


وقوله : (( اضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين )) : المراد الضرب الذي يحصل به التأديب بلا ضرر ، فلا يجوز للأب أن يضرب أولاده ضرباً مبرحاً ، ولا يجوز أن يضربهم ضرباً مكرراً لا حاجة إليه ، بل إذا احتاج إليه مثل ألا يقوم الولد للصلاة إلا بالضرب فإنه يضربه ضرباً غير مبرح ، بل ضرباً معتاداً ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بضربهم لا لإيلامهم ولكن لتأديبهم وتقويمهم . (1)


ويؤدب الصبي بالأمر بأداء الفرائض والنهي عن المنكرات بالقول ، ثم الوعيد ، ثم التعنيف ، ثم الضرب ، إن لم تجد الطرق المذكورة قبله ، ولا يضرب الصبي لترك الصلاة إلا إذا بلغ عشر سنين . (2)


وحينما يُترك الولد ولا يُؤمر قد يكون سببا من أسبابه في تضييع الصلاة، وكم ضَيَّعَ الصلاة من البنين والبنات بسبب إهمال وتفريط الآباء والأمهات، ويأتي ويقول: ابني لا يصلي، ابني تارك للصلاة، ويكون هو السبب، ما امتثل أمر النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا يمكن إنسان يمتثل أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- ويأمرهم بالصلاة لسبع ويجتهد في ذلك؛ إلا ويستجيب بل يسابق أباه إلى الصلاة، إلا أن يكون أسباب عارضة تعتري مثلا هذا الابن أو البنت من صحبة سيئة أو مشاهد سيئة، أو منكرات في البيت، هذه أمور أسباب كلها من تفريط الوالدين. (3)
_______________________________
(1) شرح رياض الصالحين للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمة الله تعالى -المجلد الثالث - باب وجوب أمر أهله وأولاده .
(2)  الموسوعة الفقهية الكويتية " ( 10 / 24 ) .

(3) شرح أصول الأحكام لفضيلة الشيخ عبد المحسن بن عبد الله الزامل - حديث ((مروا أبناءكم بالصلاة لسبع)) .

الخميس، 5 يونيو 2014

البطال


(000 - 122 ه = 000 - 740 م) 

أبو محمد عبد الله البطال.
قائد شجاع من أمراء الحرب الشاميين في زمن بني أمية.
قيل: اسم أبيه عمرو، واسم جده علقمة.
كان مقره بأنطاكيه.
وكان على طلائع مسلمة بن عبد الملك بن مروان في غزواته: قال له أبوه عبداللك: صير على طلائعك البطال ومره فليعس بالليل، فانه أمير شجاع مقدام.
وقال رجل: عقد مسلمة للبطال على عشرة آلاف، وجعلهم يزكا * .

قال محمد بن عائذ الدمشقي: ثنا الوليد بن مسلمة حدثني أبو مروان - شيخ من أهل إنطاكية - قال: كنت أغازي مع البطال وقد أوطأ الروم ذلا، قال البطال فسألني بعض ولاة بني أمية عن أعجب ما كان من أمري في مغازي فيهم،
فقلت له: خرجت في سرية ليلا فدفعنا إلى قرية فقلت لاصحابي: ارخوا لجم خيلكم ولا تحركوا أحدا بقتل ولا بشئ حتى تستمكنوا من القرية ومن سكانها، ففعلوا وافترقوا في أزقتها، فدفعت في أناس من أصحابي إلى بيت يزهر سراجه، وإذا امرأة تسكت ابنها من بكائه، 
وهي تقول له: لتسكتن أو لادفعنك إلى البطال يذهب بك، وانتشلته من سريره 
وقالت: خذه يا بطال، قال: فأخذته.

وروى محمد بن عائذ، عن الوليد بن مسلم، عن أبي مروان الانطاكي عن البطال قال: انفردت مرة ليس معي أحد من الجند، وقد سمطت خلفي مخلاة فيها شعير، ومعي منديل فيه خبز وشواء، فبينا أنا أسير لعلي ألقى أحدا منفردا، أو أطلع على خبر، إذا أنا ببستان فيه بقول حسنة، فنزلت وأكلت من ذلك البقل بالخبز والشواء مع النقل، فأخذني إسهال عظيم قمت منه مرارا، فخفت أن أضعف من كثرة الاسهال، فركبت فرسي والاسهال مستمر على حاله، وجعلت أخشى إن أنا نزلت عن فرسي أن أضعف عن الركوب، وأفرط بي الاسهال في السير حتى خشيت أن أسقط من الضعف، فأخذت بعنان الفرس ونمت على وجهي لا أدري أين يسير الفرس بي، فلم أشعر إلا بقرع نعاله على بلاط، فأرفع رأسي فإذا دير، وإذا قد خرج منه نسوة صحبة امرأة حسناء جميلة جدا،
فجعلت تقول بلسانها: أنزلنه، فأنزلنني فغسلن عني ثيابي وسرجي وفرسي، ووضعنني على سرير وعملن لي طعاما وشرابا، فمكثت يوما وليلة مستويا، ثم أقمت بقية ثلاثة أيام حتى ترد إلي حالي، فبينا أنا كذلك إذا أقبل البطريق وهو يريد أن يتزوجها، فأمرت بفرسي فحول وعلق على الباب الذي أنا فيه، وإذا هو بطريق كبير فيهم، وهو إنما جاء لخطبتها، فأخبره من كان هنالك بأن هذا البيت فيه رجل وله فرس، فهم بالهجوم علي فمنعته المرأة من ذلك،
وأرسلت تقول له: إن فتح عليه الباب لم أقض حاجته، فثناه ذلك عن الهجوم علي، وأقام البطريق إلى آخر النهار في ضيافتهم، ثم ركب فرسه وركب معه أصحابه وانطلق.
قال البطال: فنهضت في أثرهم فهمت أن تمنعني خوفا علي منهم فلم أقبل، وسقت حتى لحقتهم، فحملت عليه فانفرج عنه أصحابه، وأراد الفرار فألحقه فأضرب عنقه واستلبته وأخذت رأسه مسمطا على فرسي، ورجعت إلى الدير، فخرجن إلي ووقفن بين يدي،
فقلت: اركبن، فركبن ما هنالك من الدواب وسقت بهن حتى أتيت أمير الجيش فدفعتهن إليه، فنفلني ما شئت منهن، فأخذت تلك المرأة الحسناء بعينها، فهي أم أولادي.
والبطريق في لغة ؟ مبارة عن الامير الكبير فيهم، وكان أبوها بطريقا كبيرا فيهم - يعني تلك المرأة - وكان البطال بعد ذلك يكاتب أباها ويهاديه.

وذكر أن عبد الملك بن مروان لما ولاه المصيصة بعث البطال سرية إلى أرض الروم، فغاب عنه خبرهم فلم يدر ما صنعوا، فركب بنفسه وحده على فرس له وسار حتى وصل عمورية، فطرق بابها ليلا.
فقال له البواب: من هذا ؟
قال البطال: فقلت أنا سياف الملك ورسوله إلى البطريق، فأخذ لي طريقا إليه، فلما دخلت عليه إذا هو جالس على سرير فجلست معه على السرير إلى جانبه، ثم قلت له: إني قد جئتك في رسالة فمر هؤلاء فلينصرفوا، فأمر من عنده فذهبوا،
قال: ثم قام فأغلق باب الكنيسة علي وعليه، ثم جاء فجلس مكانه، فاخترطت سيفي وضربت به رأسه صفحا وقلت له: أنا البطال فأصدقني عن السرية التي أرسلتها إلى بلادك وإلا ضربت عنقك الساعة، فأخبرني ما خبرها،
فقال: هم في بلادي ينتهبون ما تهيأ لهم، وهذا كتاب قد جاءني يخبر أنهم في وادي كذا وكذا، والله لقد صدقتك.
فقلت: هات الامان، فأعطاني الامان،
فقلت: إيتني بطعام، فأمر أصحابه فجاؤوا بطعام فوضع لي، فأكلت فقمت لانصرف.
فقال لاصحابه: اخرجوا بين يدي رسول الملك فانطلقوا يتعادون بين يدي، وانطلقت إلى ذلك الوادي الذي ذكر فإذا أصحابي هنالك، فأخذتهم ورجعت إلى المصيصة.
فهذا أغرب ما جرى.

قال الوليد: وأخبرني بعض شيوخنا أنه رأى البطال وهو قافل من حجته، وكان قد شغل بالجهاد عن الحج، وكان يسأل الله دائما الحج ثم الشهادة، فلم يتمكن من حجة الاسلام إلا في السنة التي استشهد فيها رحمه الله تعالى.
وكان سبب شهادته أن ليون ملك الروم خرج من القسطنطينية في مائة ألف فارس، فبعث البطريق - الذي البطال متزوج بابنته التي ذكرنا أمرها - إلى البطال يخبره بذلك، فأخبر البطال أمير عساكر المسلمين بذلك، وكان الامير مالك بن شبيب.
وقال له: المصلحة تقتضي أن نتحصن في مدينة حران، فنكون بها حتى يقدم علينا سليمان بن هشام في الجيوش الاسلامية، فأبى عليه ذلك ودهمهم الجيش، فاقتتلوا قتالا شديدا والابطال تحوم بين يدي البطال ولا يتجاسر أحد أن ينوه باسمه خوفا عليه من الروم، فاتفق أن ناداه بعضهم وذكر اسمه غلطا منه، فلما سمع ذلك فرسان الروم حملوا عليه حملة واحدة، فاقتلعوه من سرجه برماحهم فألقوه إلى الارض، ورأى الناس يقتلون ويأسرون، وقتل الامير الكبير مالك بن شبيب، وانكسر المسلمون وانطلقوا إلى تلك المدينة الخراب فتحصنوا فيها، وأصبح إليون فوقف على مكان المعركة فإذا البطال بآخر رمق .
فقال له ليون: ما هذا يا أبا يحيى ؟
فقال: هكذا تقتل الابطال، فاستدعى ليون بالاطباء ليداووه فإذا جراحه قد وصلت إلى مقاتله.
فقال له ليون: هل من حاجة يا أبا يحيى ؟
قال: نعم، فأمر من معك من المسلمين أن يلوا غسلي والصلاة علي ودفني، ففعل الملك ذلك وأطلق لاجل ذلك أولئك الاسارى، وانطلق ليون إلى جيش المسلمين الذين تحصنوا فحاصرهم، فبينما هم في تلك الشدة والحصار إذ جاءتهم البرد بقدوم سليمان بن هشام في الجيوش الاسلامية، ففر ليون في جيشه الخبيث هاربا راجعا إلى بلاده، قبحه الله، فدخل القسطنطينية وتحصن بها.

قال خليفة بن خياط: كانت وفاة البطال ومقتله بأرض الروم في سنة إحدى وعشرين ومائة، وقال ابن جرير: في سنة ثنتين وعشرين ومائة، وقال ابن حسان الزيادي: قتل في سنة ثلاث عشرة ومائة، قيل وقد قاله غيره وإنه قتل هو والامير عبد الوهاب بن بخت في سنة ثلاث عشرة ومائة كما ذكرنا ذلك فالله أعلم، ولكن ابن جرير لم يؤرخ وفاته إلا في هذه السنة فالله أعلم.

قلت: فهذا ملخص ابن عساكر في ترجمة البطال مع تفصيله للاخبار واطلاعه عليها، وأما ما يذكره العامة عن البطال من السيرة المنسوبة إلى دلهمة والبطال والامير عبد الوهاب والقاضي عقبة، فكذب وافتراء ووضع بارد، وجهل وتخبط فاحش، لا يروج ذلك إلا على غبي أو جاهل ردي.
كما يروج عليهم سيرة عنترة العبسي المكذوبة، وكذلك سيرة البكري والدنف وغير ذلك، والكذب المفتعل في سيرة البكري أشد إثما وأعظم جرما من غيرها، لان واضعها يدخل في قول النبي (صلى الله عليه وسلم): " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ".




أبطالنا كثر !!!
ولكن كم بطل تعرف سيرته ؟؟؟
_________________________________________________

*اليزك: طلائع الجيش، والكلمة فارسية.

المراجع :
1- البداية والنهاية للإمام بن كثير الجزء التاسع 363-365
2- سير أعلام النبلاء للذهبي الجزء الخامس 268-269
3- الأعلام للزركلي الجزء الرابع ص:74