مما لا شك فيه أن كتاب المسالك والممالك كانت له المساهمة الكبرى في شهرة البكري. وهذا الكتاب لا يشبه أي كتاب آخر من نفس الفن رغم تداول هذا الاسم في الأدب العربي. فليس هو مجرد سرد للمسالك كما هو الشأن بالنسبة إلى سميه كتاب ابن خرداذبه ولا هو مجموعة ملح وغرائب وأساطير بدون تنظيم مثل كتاب البلدان لابن الفقيه ولا هو أيضا حوصلة لرحلات كاتبه مثلما هو الشأن بالنسبة إلى المقدسي والاصطخري.
ولا يمكن لمسالك البكري أن يصنف في فن العجائب ولا في نوع كتب الهيئة وإنما يجمع كتاب البكري كل ذلك فتتوالى فيه المسالك ووصف البلدان والشعوب والمدن وتمتزج بالملح والأساطير والاستطرادات التاريخية ويبقى انتباه القارئ دائم اليقظة.
ويشتمل كتاب المسالك على قسمين متقاربي الحجم.
والراجح ان القسم الأول كان يحتوي مقدمة عامة أو تمهيداً يعتبر اليوم ضائعاً ويستهلّ هذا القسم بمقدمة تاريخية طويلة تبدا بمبدأ الخلق وتتعرض لتاريخ الأنبياء من آدم إلى محمد (صلى الله عليه وسلم) .
ويتعلق الفصل الموالي بالمعتقدات الدينية وأوهام قدماء العرب يليه وصف لأهم الهياكل الدينية الموجودة أو التي وجدت عند أمم مختلفة: اليونان والرومان والفرس والصقالبة والصينيون الخ ...
ويبدأ القسم الجغرافي الحقيقي بفصول عديدة في الجغرافية العامة:
الأراضي- البحار- الأنهار- الأقاليم السبعة.
ويستعرض المؤلف بعد ذلك البحار السبعة وأهمّ الأنهار، ويبدأ في القسم الذي تسمّى به كل الكتاب ويتمثل في وصف العالم بلداً بلداً وجهة جهة ومدينة مدينة. ونجد دائماً نفس التخطيط: مقدّمة تاريخية، وصف عام للبلاد والسكان والمنتوجات، وصف للمسالك (وهذا القسم ضائع في الكثير من الأحيان مثلما هو الشأن بالنسبة إلى الأندلس) ووصف للبلدان مع قسم تاريخي في الغالب، ويتخلّل كل ذلك بعض الحكايات الغريبة تتصل بأدب العجائب.
والتدرج العام ينطلق من المشرق إلى المغرب ويبدأ بالهند فالصين فالترك ثمّ ينتقل إلى الشام والتبت والسند ويخصص للفرس فصلاً كبيراً.
ويتبع ذلك بصورة منطقية تاريخ الإسكندر الأكبر ثمّ تاريخ ملوك الإغريق بمصر والشام وتاريخ الروم ويلي ذلك ملوك السودان ثمّ البربر وبلاد واحات أفريقيا ثمّ أوروبا فيتحدّث البكري عن الصقالبة والإفرنج والجلالقة والنورمان ويختم بفصل عن الأكراد.
ويتعلّق كلّ ما سبق بغير العرب ويبدأ القسم الخاص بهؤلاء بتاريخ ممالك العرب القدامى في اليمن والحيرة. ويلي ذلك وصف الجزيرة العربية بصفة إجمالية ثم جهة جهة بداية باليمن. وفي هذا القسم يخصص المؤلف فصلاً طويلاً لمكة، المدينة المقدسة، تاريخها وأماكنها المقدّسة والجبال التي تحيط بها.
ويبدأ في العراق أيضاً بوصف العراق وأهم مدنه ونجد في آخر الجزء الأول بعض المقالات عن بعض الشعوب التركية.
ويبدأ القسم الثاني بوصف حائط يأجوج ومأجوج ورحلة سلام الترجمان. ثمّ يرجع المؤلف إلى الشرق الأوسط ويقدم لنا معلومات عن العواصم وعن الشام نفسه بمدنه الرئيسية.
ثمّ يتحدّث عن فلسطين ويأتي بوصف طويل لبيت المقدس. وتتواصل الرحلة في بلاد الروم وبعض جهات جنوب شرقي أوروبا، وينتهي هذا القسم بوصف بلاد الروس. وتتواصل الرحلة نحو المغرب بفصل طويل عن مصر، وينتهي الفصل بوصف الإسكندرية.
ويقودنا طريق الاسكندرية- أفريقية إلى شمال أفريقيا، وتتوالى المعلومات عن المسالك ووصف المدن بشيء من التطويل. ويهتم القسم الأخير من الكتاب بأوروبا الغربية.
نسخ الكتاب
إن عدد مخطوطات المسالك المعروفة إلى يومنا هذا عشرة وهي موزعة في مكتبات مختلفة بالمشرق والمغرب ولا يوجد أي مخطوط بخط المؤلف أو يرجع إلى نسخته بالاضافة إلى أن جلّ هذه المخطوطات مبتورة سواء من البداية أو النهاية وهي:
1- مخطوط مكتبة الآلي بإستنبول رقم 2. 2144- مخطوط مكتبة نور عثمانية باستنبول رقم 3. 3034- مخطوط المكتبة الوطنية بباريس رقم 4. 5905- مخطوط مكتبة الأكاديمية الملكية بمدريد مجموعة قاينقوس رقم 5. 13- مخطوط مكتبة القرويين بفاس رقم ل 6. 80 / 390- مخطوط المكتبة الوطنية بالرباط رقم ق 7. 488- مخطوط المكتبة الوطنية بباريس رقم 8. 2218- مخطوط المتحف البريطاني بلندن رقم 9577.
9- مخطوط مكتبة الإسكوريال مدريد رقم 10. 1625- مخطوط المكتبة الوطنية بالجزائر رقم 1548.
وأما الكتاب الحاضر فقد طبع عام 1992 م من قبل منشورات دار الغرب الإسلامي بتونس في قطع وزيري وغلاف كرتوني وفي مجلدين بتحقيق وتقديم آدريان وان ليون وأندرو فري. يقع الكتاب في 1002 صفحة مع 33 صفحة خلاصته باللغة الفرنسية.
____________________________________
المصادر
1- تاريخ الكتب الجغرافية في العالم الإسلامي، كراتشكوفسكي.
2- الموسوعة الإسلامية الكبرى، ج 5، المدخل: أبو عبيد البكري، الكاتب: عناية الله رضا.
3- مقدمة المحققين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق