عباس محمود العقاد
جريدة الأخبار
١٦ يوليو ١٩٥٦
تكاملت في هذا الأسبوع أعداد المجلات التي عنيت بمشروع الإصلاح الكتابي في الصين، وهو المشروع الذي يعمل أصحابه على استبدال الحروف الأبجدية بالأشكال الرمزية التي تعد بعشرات الألوف.
ويظهر من هذا المشروع أن النطق الصيني يقارب النطق العربي في مخارج الحروف؛ لأنه يستثني حرف الفاء الثقيلة V التي لا وجود لها في لغتنا، ويزيد على الزاي والسين حرفين يقاربان الظاء والصاد.
ولعلنا — لو اقتصدنا قليلًا في التشهير بحروفنا العربية — كنا خلقاء أن نرشح «أبجديتنا» لاستبدال تلك الأشكال الرمزية بها.
ولعلنا نستطيع الآن أن نقتصد قليلًا في هذا اللفظ الذي نسمعه عن المقارنة بين إصلاح الكتابة الصينية وإصلاح الكتابة في لغة الضاد. فإننا قد تخطينا قبل ثلاثين قرنًا هذا الدور الذي يحاول الصينيون أن يتخطَّوْه، ليتنقلوا من كتابة أصعب من الهيروغليفية إلى الكتابة بالحروف.
وما أعجب الزمن في قانون التقدُّم والتأخُّر الذي يُجرِيه على الشعوب … إن هذا «التأخر» في الكتابة عند الصينيين له علَّة من علل «التقدُّم السريع» وهي ظهور المطبعة بينهم، ولكن قبل الأوان.
فالمطبعة هي التي حفظت نقوش الكتابة قبل أن تتطور مع الزمن من الهيروغليفية إلى الرمزية إلى المقطعية إلى الحرفية، فكان في هذا الحفظ ضياع ثلاثين أو أربعين قرنًا من العصر السابق لعصر الكتابة عندنا إلى هذا القرن العشرين.
اللهم نسألك تقدُّمًا في الأوان … لا قبل الأوان ولا بعد الأوان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق