بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 25 سبتمبر 2016

زائدة الأندلسية بين الرواية الإسلامية والرواية النصرانية


بعد موت "يوسف بن تاشفين" رحمه الله تعالى بطَلِ معركة الزلاقة، بدأ النَّصارى الإسبان يَنْهضون من جديد، ويشكِّلون خطورةً على الدولة المرابطيَّة، فأخذوا يُهدِّدون الولايات الإسلاميَّة، ويشنُّون عليها الغارات، وكان يقود النصارى الملِكُ "ألفونسو السادس" مَلِك قُشْتالة، وكان مُسنًّا، ويَذكر المؤرِّخ إشباخ أنه قد تزوَّج من "سيدة"[1] المرأة المسلمة، ابنة "المعتمد بن عبَّاد" ملك أشبيلية السابق[2].

أما المستشرق "مندث بيدال" فيَذْكر أنه عندما عقد "المعتمد بن عبَّاد" ملك أشبيلية حِلْفًا مع "ألفونسو السادس" عدوِّه القديم؛ لِيُواجه أطماع المرابطين في التوسُّع داخل الأراضي الإسبانية، وفي سبيل تدعيم هذا وتقويتِه؛ اقترح على ملِك قشتالة أن يَبعث إليه بابنته "زايدة" لتكون عشيقةً له، في نظير أن يتخلَّى له عن جزءٍ من مَمْلكة طُلَيطة الإسلاميَّة التي استولَى عليها، وقد وافقَ "ألفونسو السادس" على هذا المشروع، ووُلِد له ابنه الأول والوحيد الأمير "دون سانشو" الذي أرسله قائدًا لمعركة أُقليش بعد فترةٍ من علاقته غير الشرعيَّة بـ"زايدة" المسلمة التي اعتنقَت الكاثوليكيَّة فيما بعد[3].

وهذه الرواية لا يُمكن الرُّكون إليها؛ لأنَّها تَحمل بين ثناياها مُتناقضاتٍ كثيرة؛ فالمسلم وما يحمله من عقائد وقِيَم تجعله يأنَفُ عن ذلك، فضلاً عن مُخالفتها لمبادئ الدِّين الحنيف، والغريب أنَّ المؤرِّخين العرب أغفلوا هذه القصَّة إغفالاً كبيرًا، سوى "ابن الخطيب"، وسأتناول روايته لاحقًا.

والغريب أنَّ مؤرِّخي إسبانيا النصرانيَّة عرَضوا شخصيَّة "زايدة" المسلمة، والتي أنجبَت الأمير "دون سانشو" الابن الوحيد لملك قُشتالة من خلال ستارٍ كثيف من الشُّكوك والتجنِّي، وقبل أن نتناول شخصيَّتَها في المصادر العربيَّة الإسلامية، نُعرِّج على أحد المستشرقين المنصفين، وهو "ليفي بروفنسال"؛ حيث قال: "لكنَّه من المستبعَد أن يتصوَّر المرءُ أن يهَبَ المعتمِدُ - على ما في ذلك من ذلَّةٍ - إحدى بناته لملكٍ نصراني كان عدوه اللَّدود الذي يَفْرض عليه جِزْيةً سنويَّة فادحة، ولو أننا قَبِلْنا جدَلاً أن ملك أشبيلية استطاع أن يَسْلك هذا المسلكَ غير الطبيعيِّ، لكان ذلك جنونًا صريحًا منه"[4].

ويَذكر "ابن الخطيب"[5]: "أن زايدة المسلمة كانت زوجةَ "المأمون بن المعتمد بن عبَّاد" حاكم قرطبة، فلمَّا دخل المرابطون، وقتَلوا المأمون فرَّت زوجته إلى قشتالة، فاعتنقَت النصرانيَّة، وبنَى بها الملك "ألفونسو السادس" ثُمَّ عُمِّدت باسم "إيزبيلا"، وتوُفِّيت عند وضْعِها لابنها الأمير "دون سانشو" ودُفِنَت في دير ساهاجون".

وعند مُناقشة رواية ابن الخطيب المتقدِّمة حول هذه المرأة المسلمة، نجد الاضطراب والتَّناقض واضحًا فيها؛ فالثابت عند جميع المؤرِّخين العرب والنَّصارى الإسبان: أن زوجة "ألفونسو السادس" هي التي أشارَتْ عليه بإرسال ولَدِه بدلاً عنه إلى ميدان المعركة في أقليش، فإذا كانت قد توُفِّيت عند إنجابها للأمير "دون سانشو" كما يَروي ابنُ الخطيب، فكيف أشارَتْ على زوجها بعد عشرات السِّنين بإرسال ولده إلى المعركة؟!

ويبدو واضحًا سقم الرِّوايات التي تناولَتْ شخصية زايدة المسلمة، وقضيَّة زواجها من الملك "ألفونسو السادس"، علمًا بأنَّ الرواية العربية الإسلاميَّة تُشير إلى نُصْح زوجة الملك "ألفونسو السادس" في إرسال ابنه إلى ميدان الحرب في أقليش، ولَم تُشِر بكلمة واحدةٍ إلى أصلها الإسلامي[6].

وقد أقام المؤرِّخُ "ابن خلدون" الحُجَّة في دَحْض الرواية النَّصرانية وبُطلانها؛ حيث قال: "إنَّها أقامت بعد موته بأمر الخلافة، فهل كان يُقِرُّ النَّصارى ذلك لو أنَّها كانت تَمُتُّ بصِلَةٍ ما إلى الإسلام والمسلمين"[7].

_____________________________________________________________________

[1] وفي رواية: زايدة.
[2] يوسف إشباخ، "تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحِّدين"، 1/ 123.
[3] ليفي بروفنسال، "الإسلام في المغرب والأندلس"، ص/ 152.
[4] المصدر نفسه، ص/ 152.
[5] "تاريخ المغرب العربي"، ص/ 253.
[6] ابن الخطيب، "روض القرطاس"، ص/ 104.
[7] "المقدمة"، 2/ 182


المصدر: موقعة أقليش.. صفحة من صفحات الفتح الإسلامي في الأندلس



رابط الموضوع: http://www.alukah.net/culture/0/37299/#ixzz4LGgx6CHB

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق