الرحالة الشهير ابن بطوطة (ت: 779 هـ : 1377 م) مشهور أنه من أوائل الرحالة الذين رحلوا إلى الصين.
وكذلك مشهور أن الرحالة الشهير ماركو بولو (ت: 724هـ : 1324م) سبقة إلى صين.
ولكن الغير مشهور هو العالم الرحالة سعد الخير (ت: 541 هـ : 1146 م) والذي سبق الجميع من سنوات طويلة جداً إلى الصين.
ولا يعرف متى ولد رحالتنا ولكن مكان مولده في بلنسة شرق الأندلس من أشهر مدن البحر المتوسط وتسمى في عصرنا فلنسيا في مملكة أسبانيا.
وهذا السبق غير مستغرب من أندلسي، فقد عرف عن أهل الأندلس حبهم للعلم ودراسة شعوب العالم، فعند مراجعتي لمراجع الكتاب وجدت أن مراجع كثيرة هي من الأندلس، وبعض المراجع يتفردون بها كما ذكر البكري عن فتنة بابشو ويبدو أنه نقل من رحلة السيرافي ولكنه زاد عندما قارن وضع الصين بعد هذه الفتنة بما حصل للأندلس في بداية القرن الخامس الهجري من فتنة دول الطوائف وانقسام الأندلس إلى دويلات متناحرة بعد أن كانت دولة قوية متماسكة، ولو تحدثنا عنهم لطال الحديث ولا يكفي كتاب ولا كتابان لذكر مآثر هذا القطر، والذي له الفضل في نقل الحضارة الأوروبية إلى ماهي عليه اليوم وذلك بشهادة المنصفين منهم.
يقول العلامة اللغوي الهندي عبدالعزيز الميمني:
أهل الأندلس يستحقون كل فضل وثناء، وقد مضت مئات السنين ولكن لم يظهر شعب على مسرح العالم يعشق العلم كما يعشقه أهل الأندلس.
وسعد الخير هو الشيخ الامام، المحدث المتقن، الجوال الرحال، أبو الحسن، سعد الخير بن محمد بن سهل بن سعد الأنصاري الأندلسي البلنسي التاجر.
سار من الاندلس إلى إقليم الصين، فتراه يكتب: سعد الخير الاندلسي الصيني.
وركب البحار وقاسى المشاق، وسافر في التجارة إلى الصين، وكان صاحب ثروة ومال طائل، وقد أطال الغيبة.
وأما رحلة من الأندلس إلى الصين فلا نعرف متى كانت ولكنها قبل سنة (522هـ) وهي السنة التي ولدت فيها ابنته فاطمة بالصين.
ولا شك أن المسافة بعيدة جداً بين أقصى دول المغرب الأندلس وأقصى دول المشرق الصين، وهذه الرحلة تدل على مدى العلاقات الطيبة بين دول العالم في ذاك الزمان وسهولة التنقل بين شعوبها.
ورحلة سعد الخير إلى الصين تدل على أن الأوضاع السياسية قد استقرت خاصة بعد الفتنة التي قادها بابشو، وكذلك الأوضاع في الأندلس فقد لستقرت بعد عصر دول الطوائف بتوحيد مدنها في عصر دولة المرابطين بقيادة يوسف بن تاشفين.
وفي الصين عندما رحل إليها سعد الخير كانت في عصر الدولة التاسعة عشر وأول ملوكها تابي تسو، جلس على العرش وأمر بأن تفتح أبواب قصره الأربع كما فتحت أبواب قلبه لرعاياه، ومما ينقل عنه أن جيشه كان يحاصر مدينة نالكين ويضايقها، فمرض فجاءه القواد يعودونه فخاطبهم بقوله: ( ها أنتم تروني مريضا ولكني أعلم بأن دوائى في أيديكم. قالوا جميعاً: ماهو هذا الدواء؟ أجاب: هو أن تحقنوا دماء الأهالي)، فلم تكن إلا ساعات حتى فكوا الحصار فقام الامبراطور معافى سليماً.
وفي عام (1023م) مات فتولى ابنه دجين تسونغ وكان مثل أبيه رحيم القلب محباً للعلوم شفوقاً برعاياه إلا أنه لم يعش كثيراً فخلفه ملوك كثيرون الى ان كانت سنة (1163م) فابتدا أمر المغول بالظهور ثم سنة (1226م) واستولى جنكيزخان على جزء من الصين.
وسعد الخير من الأئمة الأعلام روى عن كثير من علماء عصره، وكان حافظاً، زاهداً، ثقة، فقيهاً متديناً، عالماً، فاضلاً.
سمع ببغداد: أبا عبد الله النعالي، وابن البطر، وطِراد بن محمد.
وسمع بأصبهان: أبا سعد المطرّز.
وسمع بالدون( الدوني: بالضم إلى دُونة قرية بنهاوند أيضاً ودون قرية بدينور) سنن النسائي من الدوني، وحصّل الكثير من الكتب الجيدة.
وحدّث ببغداد، وسكنها مدة بعد انفصاله عن إصبهان.
روى عنه: ابن عساكر، وابن السمعاني، وأبو موسى المديني، وعبد الخالق بن أسد ووصفه بالحفظ، وأبو اليُمن الكندي، وأبو الفرج بن الجوزي، وبنته فاطمة بنت سعد الخير، وعمر بن أبي السعادات بن صرما.
وتفقّه ببغداد على أبي حامد الغزالي، وسمع الحديث.
وقرأ الأدب على أبي زكريا التبريزي.
وهو آخر من حدث بالمشرق.
توفي يوم السبت العاشر من محرم سنة إحدى وأربعين وخمسمائة من الهجرة.
وقد أوصى عند وفاته أن يصلي عليه الغزنوي، وأن يدفن عند قبر عبد الله بن الإمام أحمد، وحضر جنازته خلائق من الناس.
وابنته فخر النساء فاطمة هي الشيخة المسندة (المسند: ما اتصل سنده مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.) أم محمد المصري.
ولدت سنة (522هـ) وقد اخلتف في مكان ولادتها على أقوال، القول الأول: بالصين، والقول الآخر: بأصبهان.
وتوفيت بالقاهرة سنة ( 600 هـ) تلقت العلم عن والدها، وعن غيره من المحدثين الكبار ببغداد، ثم قامت بالتدريس فى القاهرة ودمشق، وسمع منها جماعة من الشيوخ- منهم شيوخ المنذرى الحافظ، الذى يقول عنها: سمع منها شيوخنا ورفقاؤنا، ولنا منها إجازة.
تزوجت من الفقيه الواعظ المفسر زين الدين أبي الحسن علي الأنصاري المعروف بابن نجية.
وكان مبعوث نور الدين محمود بن زنكي إلى بغداد، وسمع هناك الحديث من سعد الخير كثيراً.
وصاهره على ابنته فاطمة، ونقلها معه إلى مصر، وانتقلت كتب سعد الخير إليه.
كان ذا رأي صائب. وكان صلاح الدين - يعني ابن يوسف بن أيوب - يسميه عمرو بن العاص، ويعمل برأيه.
وقال أَبُو شامة: كان صلاح الدين يكاتبه، ويحضر مجلسه هو وأولاده: العزيز، وغيره. وكان له جاه عظيم.
وتوفي في السنة التي توفيت فيها زوجته فاطمة، وقيل قبلها بسنة.
_________________________________________
المرجع: الفصل التاسع من كتابي: الحضارة الصينية في التراث العربي (قريب يطبع باذن ربنا المعين).مصادر الفصل:
1- البغدادي (ت: 463هـ): تاريخ بغداد.
2- البكري الأندلسي (ت: 487هـ): المسالك والممالك.
3- السمعاني (ت: 562هـ): الأنساب.
4- ابن الجوزي (ت: 597هـ): المنتظم في تاريخ الملوك والأمم .
5- ابن نقطة (ت: 629هـ): التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد.
6- ابن الأبار البلنسي (ت: 658هـ): التكملة لكتاب الصلة.
7- الذهبي (ت:748): سير أعلام النبلاء .
8- تاريخ الإسلام.
8- تاريخ الإسلام.
9- الصفدي (ت: 764هـ): الوافي بالوفيات.
10- السبكي (ت: 771هـ): طبقات الشافعية الكبرى.
11- ابن كثير (ت: 774هـ): البداية والنهاية.
12- ابن رجب: (ت: 795هـ): ذيل طبقات الحنابلة.
13- الهيثمي (ت:807 هـ): مجمع الزوائد ومنبع الفوائد.
14- ابن ناصر الدين (ت: 842هـ): توضيح المشتبه في ضبط أسماء الرواة وأنسابهم وألقابهم وكناهم.
15- السيوطي (المتوفى: 911هـ): لب اللباب في تحرير الأنساب>
16- ابن العماد (ت: 1089هـ): شذرات الذهب في أخبار من ذهب.
17- بن الغزي (المتوفى: 1167هـ): ديوان الإسلام.
18- محمد فريد وجدي: دائرة المعارف القرن العشرين.
19- الزركلي: الأعلام.
20- عبدالعزيز الميمني: بحوث وتحقيقات.
21- محمد الغزالي: تراثنا الفكري في ميزان العقل والشرع.
22- الطحان: تيسير مصطلح الحديث.
23- محمد محمدين: المدخل إلى علم الجغرافيا والبيئة.
ابداع وأتمنى لك التوفيق
ردحذفجزاك الله خير
ردحذفاشكرك