بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 16 أبريل 2016

استقبال الوفود أيام العصور الذهبية


يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى:

وهذا يوم واحد من أيام بغداد العظيمة.
ولست مستطيعاً أن أصوّر لكم كلّ ما كان في ذلك اليوم، فهل رأيتم في السينما مشاهد تتويج الملكة في إنكلترا مثلاً؟ إني أؤكّد لكم القول إن حفلات التتويج تكون حادثاً صغيراً إذا قيست بحفلات استقبال وفد قيصر القسطنطينية في بغداد أيام المقتدر.
لقد وقف مئة وستون ألف جندي بأكمل عدّة وأفخر ثياب من خارج المدينة إلى باب قصر التاج، جنود من كلّ البلاد وكلّ الأجناس، وأقيمت الأقواس والأعلام وسُلْسِلَت المصابيح، ومُدّت النمارق والسجّادات والبُسُط العجيبة على طول الطريق، فبلغ عددها اثنين وعشرين ألف قطعة سجّاد.

وخرج أهل بغداد جميعاً (وقد زادوا يومئذ عن ثلاثة ملايين) إلى الطرقات التي سيجتاز بها موكب الوفد، فبلغَت أجرة مجلس الرجل الواحد في الدكّان أو على السطح عشرين درهماً، أي أكثر من دينار!
ولبس قصر التاج حُلّة لا يمكن لقلم كاتب أن يصفها، وحسبكم أن تعلموا أن عدد ما عُلّق فيها من ستور الديباج المذهَّبة المطرّزة المصوّرة بأبدع ما أخرجَته أيدي النُّقّاش والمصوّرين والمطرّزين في أرجاء الأرض كان ثمانية وثلاثين ألف ستار.

ولا تحسبوا قصر التاج كما تعرفون من القصور. لا، ولا تظنّوه كالحمراء في غرناطة ولا فرساي في باريس. كان فيه ثلاثة وعشرون قصراً كل واحد منها أكبر (كما وصفوا) من قصر عابدين في مصر.
وكان في إسطبل الخيل ألف فرس، خمسمئة على اليمين عليها السُّرُج المُحلاّة بالذهب والفضّة، وخمسمئة على اليسار بجلال الديباج والبراقع الطوال، وكل فرس أمام بيته بِيَد سائس بأجمل بزّة وثياب.
ومرّوا بالوفد على حَيْر الوحوش المستأنَسة (أي حديقة الحيوان) وكان فيه مئة من السباع، خمسون عن يمين وخمسون عن يسار، وفيه دار الفِيَلة.

ثم مروا بالوفد على قصر الفردوس، وكان فيه بهو طوله ثلاثمئة ذراع قد صُفَّت فيه أنواع الأسلحة التي لم يرَ الراؤون مثلها.
ثم دخلوا بالوفد دار نصر الحاجب، فلما رأى وفد الروم عظمة المكان وأُبّهة نصر حسبوه الخليفة فركعوا وسلّموا، فقيل لهم: لا، هذا هو الحاجب.
ثم أدخلوهم على الوزير ابن الفرات، وكان في مجلس في حديقة في القصر بين دجلة والبستان قد عُلّقت فيه الستور ومُدَّت الفُرُش، وكان شيء عجيب، فحسبوه الخليفة فركعوا وسلّموا، فقيل لهم: هذا هو الوزير.
ثم وصلوا إلى الخليفة، واستقبلهم في دار الشجرة. وهي شجرة من الفضّة وزنها خمسمئة ألف مثقال (نصف مليون)، وبعضها من الذهب والجوهر، لها غصون وأوراق تميس مَيَسان أغصان الشجر، وعليها أطيار من الفضّة تصفّر وتتحرك بحركات قد رُتّبت لها.
وكان عدد خدم القصر المنبَثّين في الممرّات والدهاليز وعلى السطوح بألبسة عجيبة وزينة بالغة سبعة آلاف خادم، وكان الحُجّاب أكثر من خمسمئة، وكان يوماً من أيام التاريخ.


______________________________
المصدر:
http://alhmdani897.blogspot.com/2016/04/blog-post_8.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق