مر على اليابان ، وأعجب بها أيما إعجاب ، بنظافتها ، وأخلاق أهلها وأدبهم ، وحسن استقبالهم للضيف ، وصراحتهم وعدم خديعتهم ، والنظام الذي يسود حياتهم ، وأهم من ذلك كله استعدادهم الكبير للإسلام ، وقد استقر ذلك في نفسه بعد مقابلات عديدة لأمراء ووزراء وكبراء ، وهذا الداعية العجيب لم يهدأ في رحلته اليابانية ، فقد زار المرافق والسجون والبرلمان ، وزار الجامعات والمدارس والمراكز التجارية والبريد والأسواق والجمعيات ، واطّلع على علوم اليابانيين وحرفهم وطرائق عيشهم وزار الناس على مختلف طبقاتهم ، وكان يجلس إليهم ، ويتحدث الساعات الطويلة معهم ، ويقبل دعوتهم ، وهذا شأن الداعية الذي يريد أن يؤثر في العقول والقلوب ، وقد حسّن إليهم الإسلام بذكر محاسنه وفضائله ، وكان لكل ذلك أثره فيما بعد ، وقد أسلم عدد يسير من اليابانيين في هذه الرحلة الأولى ، وتعلم بهمته من اللغة في وقت يسير ما استطاع بها أن يتفاهم مع القوم هناك .
ثم غادر اليابان وفي عزمه الرجوع إليها ، وعاد بعد مدة ليقيم فيها إقامة طويلة وليتوفى فيها سنة 1364 هـ/1944م يرحمه الله تعالى عن عمر يناهز قرابة مائة سنة ، وكان من آثار عمله أن اعترفت اليابان بالدين الإسلامي ، وأُنشئت عدة مساجد فيها ، وأسلم عدد من أهلها .
وكان له فيها قصة جليلة طويلة أحيل من يريد معرفتها إلى مذكراته يرحمه الله تعالى لكني أجتزئ هذا النص الجليل من ترجمة الأستاذ الدكتور "محمد رجب البيومي" له حيث قال : " إذا ذهب مصلٍّ إلى مسجد الإسلام بطوكيو عجب حين يرى الرجل الأسطورة في الخامسة والتسعين من عمره ينهض قبل شروق الفجر فيقيم صلاة التهجد ، ثم يؤم الناس في صلاة الصبح ، ولا يكاد يفرغ من تسبيحه حتى يتحلق عليه جماعة من حوارييه ليشرح لهم سور القرآن وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإذا أشرقت الشمس انتقل إلى حجرة الدراسة الملحقة بالمسجد ليجد نفراً من صبيان المسلمين يستقبلونه فيقوم لهم بدور المعلم ، يكتب لهذا لوحه ، ويسمع من ذلك سورته ، ثم لا يستنكف أن يكون في هذه السن المتقدمة ، وبعد هذا الجهاد المتواصل معلم صبيان تُقرأ على يديه مبادئ اللغة العربية ويُحفظ الناشئة قصار السور من جزء عم ، وبعض المأثور من حديث الرسول صلوات الله وسلامه عليه ، وهو من كبار زعماء الإسلام في ثلاثة أجيال ناهزت القرن ".
الشيخ محمد بن موسى الشريف
موقع التاريخ
للمزيد عن داعية الإسلام في آسيا ( عبد الرشيد إبراهيم رحمة الله تعالى )