(000 - نحو 30 ق ه / 000 - نحو 594 م)
عروة بن الورد بن زيد العبسي ، من غطفان : من شعراء الجاهلية وفرسانها وأجوادها.
كان يلقب بعروة الصعاليك، لجمعه إياهم، وقيامه بأمرهم إذا أخفقوا في غزواتهم. (2)
وكان عروة بن الورد، كريمًا فياضًا، وأثر عنه أنه كان يجمع إلى خيمته فقراء قبيلته عبس ومعوزيها ومرضاها، متخذًا لهم حظائر يأوون فيها، قاسمًا بينه وبينهم مغانمه .
وكان إذا أصابت الناس سنة -أزمة جدب- شديدة وتركوا في دارهم المريض والكبير والضعيف، يجمع أشباه هؤلاء من دون الناس من عشيرته في الشدة، ثم يحفر لهم الأسراب، ويكنف عليهم الكنف -الحظائر- ويكسبهم.
ومن قوي منهم -إما مريض يبرأ من مرضه أو ضعيف تثوب قوته- خرج به معه فأغار، وجعل لأصحابه الباقين في ذلك نصيبًا. حتى إذا أخصب الناس وألْبَنُوا وذهبت السنة ألحق كل إنسان بأهله، وقسم له نصيبه من غنيمة إن كانوا غنموها؛ فربما أتى الإنسان منهم أهله وقد استغنى؛ فلذلك سمي عروة الصعاليك.
وفي خبر آخر أن عبسًا كانت إذا أجدبت أتى ناس منها ممن أصابهم جوع شديد وبؤس فجلسوا أمام بيت عروة؛ حتى إذا أبصَروُا به صرخوا، وقالوا: أيا أبا الصعاليك أغثنا؛ فكان يرق لهم ويخرج بهم فيصيب معاشهم !!!!!!!
وعروة بذلك كله يعبر عن نفس كبيرة، فهو لا يغزو للغزو والنهب والسلب كالشنفرى وتأبط شرًّا، وإنما يغزو ليعين الهُلَّاك والفقراء والمرضى والمستضعفين من قبيلته، والطريف أنه لم يغير على كريم يبذل ماله للناس بل كان يتخير لغارته من عَرفوا بالشح والبخل ومن لا يمدون يد العون للمحتاج في قبائلهم، فلا يرعون ضعفًا ولا قرابة ولا حقًّا من حقوق أقوامهم, وبذلك كله تصبح الصعلكة عنده ضربًا من ضروب النبل الخلقي، وكأنها أصبحت صنوًا للفروسية؛ بل لعلها تتقدمها في هذه الناحية من التضامن الاجتماعي بين الصعلوك والمعوزين في قبيلته.
وبلغ عروة من ذلك أنه كان لا يؤثر نفسه بشيء على من يرعاهم من صعاليكه؛ فلهم مثل حظه غزوا معه أو قعد بهم المرض والضعف. وهو يضرب بذلك مثلًا رفيعًا في الرحمة والشفقة والبذل والإيثار.
قال عمر بن الخطاب ((رضي الله عنة)) للحطيئة: "كيف كنتم في حربكم. قال: كنا ألف فارس حازم.
قال: وكيف يكون ذلك؟
قال: كان (قيس بن زهير) فينا وكان حازما فكنا لا نعصيه، وكان فارسنا (عنترة) فكنا نحمل إذا حمل ونحجم إذا أحجم، وكان فينا (الربيع بن زياد) وكان ذا رأي فكنا نستشيره ولا نخالفه، وكان فينا (عروة بن الورد) فكنا نأتم بشعره. فكنا كما وصفت لك.
فقال عمر: صدقت". (5)
وكان عروة موسراً، وكان له ابن عم معسر، وكانا يسكنان الأردن وكان عروة كثيراً ما يعطف عليه ويبره، وكان ذاك يشكو إليه الحاجة، فلما أكثر عليه كتب إليه وتروى الأبيات لأبي عطاء السندي: (من الطويل)
إذا المرء لم يكسب معاشاً لنفسه ... شكا الفقر أو لام الصديق فأكثرا
وصار على الأدنين كلاً وأوشكت ... صلات ذوي القربى له أن تنكرا
فسر في بلاد الله والتمس الغنى ... تعش ذا يسار أو تموت فتعذرا
فما طالب الحاجات من حيث يبتغي ... من الناس إلا من أجد وشمرا
ولا ترض من عيش بدون ولا تنم ... وكيف ينام الليل من كان معسرا
وكان عبد الله بن جعفر ينهى معلم ولده أن يرويهم أبيات عروة هذه، ويقول: هي تدعوهم إلى الاغتراب عن أوطانهم.(3)
ذكر أن "معاوية" تذكر "عروة بن الورد"، فقال: "لو كان لعروة بن الورد ولد لأحببت أن أتزوج منهم".
وأن "عبد الملك بن مروان" تذكره يوما، فقال: "ما يسرني أن أحدا من العرب ممن ولدني لم يلدني إلا عروة بن الورد لقوله:
وإني امرؤ عافى إنائي شركة ... وأنت امرؤ عافى إنائك واحد
وهو بيت يمثل خلق هذا الشاعر ومروءته التي أبت عليه ألا يشرك غيره من الضعفاء والمحتاجين فيما يحصل عليه ويناله من المتمكنين بالإكراه والقوة. إناؤه مليء لبنا، حتى يفيض ويكثر، فإن طرقه إنسان وجد اللبن أمامه، يشرب منه وهو شريكه فيه، شريكه في كل شيء عنده قل أو كثر، وهو يفتخر بذلك ويتبجح بإشراكه غيره إنائه على من حرص على ماله، وبخل بما عنده، مثل "قيس بن زهير"، الذي استأثر بما عنده، فلم يعط لمحتاج شيئا منه. فصار يسمن وغيره يجوع، على حين كان "عروة" يختار الجوع، ليأكل الجياع، لتعود إليهم القوة والحياة، ولا يبالي هو بنفسه إن جاع، وفي ذلك يقول:
وإني امرؤ عافى إنائي شركة ... وأنت امرؤ عافى إنائك واحد
أتهزأ مني أن سمنت وأن ترى ... بوجهي شحوب الحلق والحق جاهد
أقسم جسمي في جسوم كثيرة ... وأحسو قراح الماء والماء بارد
وكان قد قال هذه الأبيات ردا على أبيات "قيس بن زهير" التي خاطب بها "عروة" بقوله:
أذنب علينا شتم عروة خاله ... بغرة أحساء ويوما ببدبد
رأيتك ألَّافا بيوت معاشر ... تزال يد في فضل قعب ومرفد
وللأخفش حديث عن مروءة "عروة" وعن إنسانيته فيقول: "عن ثعلب عن ابن الأعرابي، قال: حدثني أبو فقعس، قال: كان عروة إذا أصابت الناس سنة شديدة تركوا في دارهم المريض والكبير والضعيف؛ وكان عروة يجمع أشباه هؤلاء من دون الناس، من عشيرته في الشدة، ثم يحفر لهم الأسراب، ويكنف عليهم الكنف، ويكسبهم، ومن قويَ منهم، إما مريض يبرأ من مرضه، أو ضعيف تثوب قوته، خرج به معه فأغار، وجعل لأصحابه الباقين في ذلك نصيبا، حتى إذا أخصب الناس وألبنوا، وذهبت السنة، ألحق كل إنسان بأهله، وقسم له نصيبه من غنيمة إن كانوا غنموها، وربما أتى الإنسان منهم أهله وقد استغنى، فلذلك سمي: عروة الصعاليك".
ومن هنا عد من أصحاب الكرم والسماحة والسخاء. حتى قيل إن عبد الملك قال: "من زعم أن حاتما أسمح الناس، فقد ظلم عروة بن الورد". وقيل إنه بلغه عن رجل من بني "كنانة بن خزيمة"، أنه من أبخل الناس وأكثرهم مالا، فبعث عليه عيونا، فأتوه بخبره فشد على إبله فاستقاها ثم قسمها في قومه. فقال عند ذلك:
ما بالثراء يسود كل مسود ... مثر ولكن بالفعال يسود
بل لا أكاثر صاحبي في يسره ... وأصد إذ في عيشه تصريد
فإذا غنيت فإن جاري نيله ... من نائلي وميسّري معهود
وإذا افتقرت فلن أرى متخشعا ... لأخي غنى معروفه مكدود
فالسيد بفعاله، وأعماله لا بالمال. وهو يقول في شعر له، إن فراشه فراش الضيف، وأن بيته بيت للضيوف، ويجالس الضيف ويحادثه، فالحديث جزء من القرى:
فراشي فراش الضيف والبيت بيته ... ولم يلهني عنه غزال مقنع
أحدثه إن الحديث من القرى ... وتعلم نفسي أنه سوف يهجع (4) (6)
ومن مناقبة :
ما روى ابن شيبة عن عامر بن جابر، قال: كان لا يدخل المدينة احد من طريق واحد من ثنية الوداع فان لم يعشر بها أي ينهق كالحمار عشرة أصوات في طلق واحد مات قبل أن يخرج منها، فإذا وقف على الثنية قبل أن يدخل ودع فسميت ثنية الوداع حتى قدم عروة بن الورد العبسي .
فقيل له: عشر بها فلم يعشر
وأنشأ يقول: لعمري لئن عشرت من خشية الردى ,,, نهاق حمير أنني لجزوع
ثم دخل فقال: يا معشر يهود، ما لكم وللتعشير ؟
قالوا: انه لا يدخلها أحد من غير أهلها، فلم يعشر بها الا مات، أو لا يدخلها أحد من غير ثنية الوداع الا قتله الهزال، فلما ترك عروة التعشير تركه الناس ودخلوا من كل ناحية. (1)
قامت امرأة عروة بن الورد العبسي بعد أن طلقها في النادي فقالت: أما إنك والله الضحوك مقبلاً، السكوت مدبراً، خفيف على ظهر الفرس، ثقيل على متن العدو، رفيع العماد، كثير الرماد، ترضي الأهل والجانب. (7)
له " ديوان شعر " شرحه ابن السكيت . (2)
لا أريد الإطالة وإن كان مثل هذا العلم يستحق أن يؤلف عنة كتاب لكني وجدت المؤرخ الأستاذ الدكتور جواد علي رحمة الله تعالى تكلم عنة في موسوعة الأكثر من رائعة ( المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام ) وبالتحديد الفصل الستون بعد المائة: الشعراء الصعاليك .
لمن أراد المزيد عن الصعاليك و أميرهم عروة الصعاليك يرجع إلية .
____________________________________________
المراجع :
1- سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد للصالحي .
2- الأعلام للزركلي .
3- التذكرة الحمدونية لأبن حمدون .
4- المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد علي .
5- تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي شوقي ضيف .
6- العقد الفريد لأبن عبد ربة الأندلسي .
7- نثر الدر للآبي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق