بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 25 أكتوبر 2013

أبويوسف يعقوب المنصور الموحدي



 صاحب المغرب  السلطان الكبير ، الملقب بأمير المؤمنين المنصور أبو يوسف يعقوب ابن السلطان يوسف ابن السلطان عبدالمؤمن بن علي، القيسي  الكومي المغربي المراكشي  الظاهري وأمه أمة رومية اسمها سحر .
عقدوا له بالامر سنة ثمانين وخمس مئة عند مهلك أبيه ، فكان سنه يومئذ ثنتين وثلاثين سنة .
وكان تام القامة ، أسمر ، صافيا ، جميل الصورة ، أعين ، أفوه ، أقنى ، أكحل ، سمينا ، مستدير اللحية ، جهوري الصوت ، جزل العباره ، صادق اللهجة ، فارسا ، شجاعا ، قوي الفراسة ، خبيرا بالامور ، خليقا للامارة ، ينطوي على دين وخير وتأله ورزانة .
عمل الوزارة لابيه ، وخبر الخير والشر ، وكشف أحوال الدواوين .

وزر له عمر بن أبي زيد، ثم أبو بكر بن عبد الله بن الشيخ عمر إينتي ، ثم ابن عم هذا محمد الذي تزهد ، وأختفى ، ثم أبو زيد الهنتاني ، وزير ولده من بعده .
وكتب له السر ابن محشوة  ، ثم ابن عياش الاديب .
وقضى له ابن مضاء ، ثم الوهراني ، ثم أبو القاسم بن بقي .

ولما تملك ، كان حوله منافسون له من عمومته وإخوته ، ثم تحول إلى سلا ، وبها تمت بيعته ، وأرضى آله بالعطاء ، وبنى مدينة تلي مراكش على البحر ، فما عتم أن خرج عليه علي ابن غانية الملثم ، فأخذ بجاية ، وخطب للناصر العباسي ، فكان الخطيب بذلك عبد الحق مصنف (الاحكام) ، ولولا حضور أجله ، لاهلكه المنصور .
ثم تملك ابن غانية قلعة حماد، فسار المنصور ، واسترد بجاية ، وجهز جيشه ، فالتقاهم ابن غانية فمزقهم ، فسار المنصور بنفسه ، فكسر ابن غانية ، وذهب مثخنا بالجراح ، فمات في خيمة أعرابية ، وقدم جيشه عليهم أخاه يحيى ، فانحاز بهم إلى الصحراء مع العرب ، وجرت له حروب طويلة ، واسترد المنصور قفصة ، وقتل في أهلها ، فأسرف ، ثم قتل عميه سليمان وعمر صبرا ، ثم ندم ، وتزهد ، وتقشف ، وجالس الصلحاء والمحدثين ، ومال إلى الظاهر ، وأعرض عن المالكية ، وأحرق ما لا يحصى من كتب الفروع .
قال عبد الواحد بن علي : كنت بفاس ، فشهدت الاحمال يؤتى بها ، فتحرق ، وتهدد على الاشتغال بالفروع ، وأمر الحفاظ بجمع كتاب في الصلاة من (الكتب الخمسة) ، و (الموطأ) ، و (مسند ابن أبي شيبة) ، و (مسند البزار) ، و (سنن الدار قطني) ، و (سنن البيهقي) ، كما جمع ابن تومرت في الطهارة .
ثم كان يملي ذلك بنفسه على كبار دولته ، وحفظ ذلك خلق ، فكان لمن يحفظه عطاء وخلعة .
إلى أن قال : وكان قصده محو مذهب مالك من البلاد ، وحمل الناس على الظاهر ، وهذا المقصد بعينه كان مقصد أبيه وجده ، فلم يظهراه ، فأخبرني غير واحد أن ابن الجد أخبرهم قال :
 دخلت على أمير المؤمنين يوسف ، فوجدت بين يديه كتاب ابن يونس ، فقال :
 أنا أنظر في هذه الآراء التي أحدثت في الدين ، أرأيت المسألة فيها أقوال ، ففي أيها الحق ؟ وأيها يجب أن يأخذ به المقلد ؟ فافتتحت أبين له ، فقطع كلامي ، وقال : 
ليس إلا هذا ، وأشار إلى المصحف ، أو هذا ، وأشار إلى (سنن) أبي داود ، أو هذا ، وأشار إلى السيف .

قال يعقوب : يا معشر الموحدين ، أنتم قبائل ، فمن نابه أمر ، فزع إلى قبيلته ، وهؤلاء - يعني طلبة العلم  - لا قبيل لهم إلا أنا ، قال : فعظموا عند الموحدين .

وفي سنة خمس وثمانين غزا الفرنج ، ثم رجع ، فمرض ، وتكلم أخوه أبويحيى في الملك ، فلما عوفي ، قتله ، وتهدد القرابة .
وفي سنة تسعين انتقضت الهدنة ، فتجهز ، وعرض جيوشه بإشبيلية ، وأنفق الاموال ، فقصده ألفنش  فالتقوا ، وكان نصرا عزيزا ، ما نجا ألفنش إلا في شريذمة ، واستشهد من الكبار جماعة ، واستولى يعقوب على قلاع ، ونازل طليطلة ، ثم رجع ، ثم غزا ، ووغل ، بحيث انتهى إلى أرض ما وصلت إليها الملوك ، فطلب ألفنش المهادنة ، فعقدت عشرا ، ثم رد السلطان إلى مراكش بعد سنتين ، وصرح بقصد مصر .

وكان يتولى الصلاة بنفسه أشهرا ، فتعوق يوما ، ثم خرج ، وهم ينتظرونه ، فلامهم ، وقال :
 قد قدم الصحابة عبد الرحمن بن عوف للعذر ، ثم قرر إماما عنه .
وكان يجلس للحكم ، حتى اختصم إليه اثنان في نصف ، فقضى ، ثم أدبهما ، وقال :
 أما كان في البلد حكام ؟ .
وكان يسمع حكم ابن بقي من وراء الستر ، ويدخل إليه أمناء الاسواق ، فيسألهم عن الامور .
وتصدق في الغزوة الماضية  بأربعين ألف دينار .
وكان يجمع الايتام في العام ، فيأمر للصبي بدينار وثوب ورغيف ورمانة .
وبنى مارستان ما أظن  مثله ، غرس فيه من جميع الاشجار ، وزخرفه وأجرى فيه المياه ، ورتب له كل يوم ثلاثين دينار للادوية ، وكان يعود المرضى في الجمعة .

وورد عليه أمراء من مصر، فأقطع واحدا تسعة آلاف دينار .
وكان لا يقول بالعصمة في ابن تومرت .
وسأل فقيها : ما قرأت ؟ قال: تواليف الامام ، قال : فزورني ( فنظر إلي نظرة المغضب ) ، وقال:  ما كذا يقول الطالب ! حكمك أن تقول : قرأت كتاب الله ، وقرأت من السنة ، ثم بعد ذا قل ما شئت .

قال تاج الدين ابن حمويه : دخلت مراكش في أيام يعقوب ، فلقد كانت الدنيا بسيادته مجملة ، يقصد لفضله ولعدله ولبذله وحسن معتقده ، فأعذب موردي ، وأنجح مقصدي ، وكانت مجالسه مزينة بحضور العلماء والفضلاء ، تفتتح بالتلاوة ثم بالحديث ، ثم يدعو هو ، وكان يجيد حفظ القرآن ، ويحفظ الحديث ، ويتكلم في الفقه ، ويناظر ، وينسبونه إلى مذهب الظاهر .
وكان فصيحا ، مهيبا ، حسن الصورة ، تام الخلقه ، لا يرى منه اكفهرار ، ولا عن مجالسه إعراض ، بزي الزهاد والعلماء , وعليه جلالة الملوك ، صنف في العبادات ، وله (فتاو) ، وبلغني أن السودان قدموا له فيلا فوصلهم ، ورده ، وقال :
 لا نريد أن نكون أصحاب الفيل ، ثم طول التاج في عدله وكرمه ، وكان يجمع الزكاة ، ويفرقها بنفسه ، وعمل مكتبا للايتام ، فيه نحو الف صبي ، وعشرة معلمون .
حكى لي بعض عماله : أنه فرق في عيد نيفا وسبعين ألف شاة .

وقال عبد الواحد : كان مهتما بالبناء ، كل وقت يجدد قصرا أو مدينة ، وأن الذين أسلموا كرها أمرهم بلبس كحلي وأكمام مفرطة الطول ، وكلوتات ضخمة بشعة ، ثم ألبسهم ابنه العمائم الصفر ، حمل يعقوب على ذلك شكه في إسلامهم ، ولم تنعقد عندنا ذمة ليهودي ولا نصراني منذ قام أمر المصامدة ، ولا في جميع المغرب كنيسة ، وإنما اليهود عندنا يظهرون الاسلام ،  ويصلون ، ويقرئون أولادهم القرآن جارين على ملتنا .
قلت : هؤلاء مسلمون ، والسلام .
وكان ابن رشد الحفيد  قد هذب له كتاب (الحيوان)  وقال : الزرافة رأيتها عند ملك البربر ، كذا قال غير مهتبل ، فأحنقهم هذا ، ثم سعى فيه من يناوئه عند يعقوب ، فأروه بخطه حاكيا عن الفلاسفة أن الزهرة أحد الآلهة ، فطلبه ، فقال : أهذا خطك ؟ فأنكر ، فقال :  لعن الله من كتبه ، وأمر الحاضرين بلعنه ، ثم أقامه مهانا ، وأحرق كتب الفلسفة سوى الطب والهندسة .
وقيل : لما رجع إلى مراكش ، أحب النظر في الفلسفة ، وطلب بن رشد ليحسن إليه ، فحضر ، ومات ، ثم بعد يسير مات يعقوب .

وقد كتب صلاح الدين إلى يعقوب يستنجد به في حصار عكا ، ونفذ إليه تقدمة ، وخضع له ، فما رضي لكونه ما لقبه بأمير المؤمنين ، ولقد سمح بها ، فامتنع منه كاتبه القاضي الفاضل .
وقيل : إن يعقوب أبطل الخمر في ممالكه ، وتوعد عليها فعدمت ، ثم قال لابي جعفر الطبيب : ركب لنا ترياقا ، فأعوزه خمر ، فأخبره بذلك ، فقال : تلطف في تحصيله سرا ، فحرص ، فعجز ، فقال الملك : ما كان لي بالترياق حاجة ، لكن أردت اختبار بلادي .

قيل : إن الادفنش كتب إليه يهدده ، ويعنفه ، ويطلب منه بعض البلاد ، ويقول : وأنت تماطل نفسك ، وتقدم رجلا ، وتؤخر أخرى ، فما أدري الجبن بطأ بك ، أو التكذيب بما وعدك نبيك ؟  فلما قرأ الكتاب ، تنمر ، وغضب ، ومزقه ، وكتب على رقعة منه :  { ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها.. } الآية [ النمل: 37 ] ، الجواب ما ترى لا ما تسمع .
ولا كتب إلا المشرفية عندنا * ولا رسل إلا للخميس العرمرم
 ثم استنفر سائر الناس ، وحشد ، وجمع ، حتى احتوى ديوان جيشه على مئة ألف ، ومن المطوعة مثلهم ، وعدى إلى الاندلس ، فتمت الملحمة الكبرى ، ونزل النصر والظفر ، فقيل : غنموا ستين ألف زردية .
قال ابن الاثير : قتل من العدو مئة ألف وستة وأربعون ألفا ، ومن المسلمين عشرون ألفا .

وذكره أبو شامة ، وأثنى عليه ، ثم قال : وبعد هذا فاختلفت الاقوال في أمره ، فقيل : إنه ترك ما كان فيه ، وتجرد ، وساح ، حتى قدم المشرق متخفيا ، ومات خاملا ، حتى قيل : إنه مات ببعلبك .
ومنهم من يقول : رجع إلى مراكش ، فمات بها ، وقيل :  مات بسلا ، وعاش بضعا وأربعين سنة .
قلت : إليه تنسب الدنانير اليعقوبية.
قال ابن خلكان : حكى لي جمع كبير بدمشق أن بالبقاع بالقرب من المجدل قرية يقال لها : حمارة ، بها مشهد يعرف بقبر الامير يعقوب ملك المغرب ، وكل أهل تلك الناحية متفقون على ذلك .
قيل : الاظهر موته بالمغرب ، فقيل : مات في أول جمادى الاولى ، وقيل :  في ربيع الآخر ، وقيل : مات في صفر سنة خمس وتسعين .
وقد يقال : لو مات مثل هذا السلطان في مقر عزه ، لم يختلف هكذا في وفاته ، فالله أعلم ، لكن بويع في هذا الحين ولده محمد بن يعقوب المؤمني .

_________________________________________

سير أعلام النبلاء الجزء الحادي والعشرون 311/319 
مصدر الخريطة : أطلس التاريخ العربي والإسلامي

ابن تومرت - عنان


























_________________________________________________________________


تراجم إسلامية شرقية وأندلسية للعلامة محمد عبدالله عنان رحمه الله تعالى
مصدر الخريطة: أطلس التاريخ الإسلامي للدكتور شوقي أبوخليل رحمه الله تعالى
مصدر جدول النسب : التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة للدكتور عبدالرحمن الحجي حفظه الله تعالى

رأي شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى في ابن تومرت









_________________________________________________________________________

الرجال الذين تكلم عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 
المحقق: عبد الحميد بن عبد الرحمن السحيباني
 دار الوطن

الأربعاء، 23 أكتوبر 2013

رد الملك الصالح نجم الدين الأيوبي على رسالة لويس التاسع



وفي الساعة الثانية من يوم الجمعة لتسع بقين من صفر : وصلت مراكب الفرنج البحرية ، وفيها جموعهم العظيمة صحبة ريدافرنس - ويقال له الفرنسيس ، واسمه لويس ابن لويس . وريدافرنس لقب بلغة الفرنج ، معناه ملك أفرنس - وقد انضم إليهم فرنج الساحل كله ، فأرسوا في البحر بازاء المسلمين .
 وسير ملك الفرنج إلى السلطان كتاباً ، نصه بعد كلمة كفرهم :
أما بعد فإنه لم يخف عنك أني أمين الأمة العيسوية ، كما أني أقول أنك أمين الأمة المحمدية , وإنه غير خاف عنك أن أهل جزائر الأندلس يحملون إلينا الأموال والهدايا ، ونحن نسوقهم سوق البقر ولقتل منهم الرجل ونرمل النساء ، ونستأسر البنات والصبيان ، ونخلي منهم الديار ، وقد أبديت لك ما فيه الكفاية ، ونجلت لك النصح إلى النهاية ، فلو حلفت لي بكل الأيمان ، ودخلت على القسوس والرهبان ، وحملت قدامي الشمع طاعة للصلبان ، ما ردني ذلك عن الوصول إليك وقتلك في أعز البقاع عليك ، فإن كانت البلاد لي ، فيا هدية حصلت في يدي ، وإن كانت البلاد لك والغلبة علي ، فيدك العليا ممتدة إلي . وقد عرفتك وحذرتك من عساكر قد حضرت في طاعتي ، تملأ السهل والجبل ، وعددهم كعدد الحصى ، وهم مرسلون إليك بأسياف القضا .

فلما وصل الكتاب إلى السلطان وقرئ عليه ، اغرورقت عيناه بالدموع واسترجع .
فكتب الجواب بخط القاضي بهاء الدين زهير بن محمد ، كاتب الإنشاء ، ونسخته بعد البسملة وصلواته على سيدنا محمد رسول الله وآله وصحبه أجمعين :
 أما بعد فإنه وصل كتابك ، وأنت تهدد فيه بكثرة جيوشك وعدد أبطالك . فنحن أرباب السيوف ، وما قتل منا قرن إلا جددناه ، ولا بغى علينا باغ إلا دمرناه . فلو رأت عيناك - أيها المغرور - حد سيوفنا وعظم حروبنا ، وفتحنا منكم الحصون والسواحل ، وأخرابنا منكم ديار الأواخر والأوائل ، لكان لك أن تعض على أناملك بالندم ، ولابد أن تزل بك القدم ، في يوم أوله لنا و آخره عليك . فهنالك تسيء بك الظنون ، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ  } .  فإذا قرأت كتابي هذا ، فكن فيه على أول سورة النحل : {أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } ، وكن على آخر سورة ص :  { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْد حِين  }  ونعود إلى قول الله تبارك وتعالى وهو أصدق القائلين : {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } ، وإلى قول الحكماء : " إن الباغي له مصرع " وبغيك يصرعك ، وإلى البلاء يقلبك ، والسلام .

-----------------------------------------------------------
المصدر :  السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي 1/437/438
مصدر الخريطة : أطلس التاريخ العربي والإسلامي



الجمعة، 18 أكتوبر 2013

الاثنين، 7 أكتوبر 2013

أسطورة زائدة الأندلسية للعلامة محمد عبدالله عنان



وهنا يجب أن نقف قليلا، لنتناول مسألة تاريخية هامة، غمرتها الأسطورة مدى عصور، ثم ألقى عليها البحث الحديث ضوءه المقنع، تلك هي قصة زائدة الأندلسية.

لقد ذكرت الروايات الإسبانية النصرانية، المعاصرة واللاحقة، أن ألفونسو السادس قد تزوج من ابنة للمعتمد بن عباد تسمى " زائدة " أو أنه قد اتخذها خليلة، وأنجب منها ولده الوحيد سانشو. وتزيد على ذلك أن المعتمد نفسه، حينما شعر بخطر المرابطين الداهم على مملكته، واستغاث بألفونسو لمعاونته على دفعه، هو الذي قدم ابنته المذكورة للملك النصراني، وأنه نزل له عن مواضع معينة من أراضي مملكة طليطلة، كان قد افتتحها، لتكون مهراً لابنته المذكورة، وترجع بعض الروايات المتأخرة هذا التصرف من جانب ابن عباد إلى فرصة سابقة على مقدم المرابطين، وتقول إنه كان ضمن مغريات الحلف الذي عقده المعتمد مع ألفونسو عن طريق وزيره ابن عمار، وأخيراً أن هذا التصرف قد أثار فضيحة كبيرة في الأندلس، واتهم ابن عباد بالتفريط في عرضه ودينه (1).


وقد استمرت التواريخ النصرانية تتناقل هذه الأسطورة عصوراً كأنها حقيقة لا ريب فيها، وتتحدث دائماً عن " زائدة الأندلسية " Zeida la Mora أو Ceida وعن ذريتها النصرانية. ونقول نحن إنه لا توجد بين هذه التفاصيل المغرقة، سوى حقيقة واحدة هي شخصية زائدة المذكورة، وأنها كانت حقيقة زوجة أو خليلة لألفونسو السادس، وقد أنجب منها ولده سانشو الذي قتل طفلا في موقعة إقليش (501 هـ - 1108 م). ولكنها لم تكن ابنة للمعتمد بن عباد، ولم يقدمها المعتمد لألفونسو ثمناً لحلفه، وهذا هو لب الأسطورة كلها. وهذا هو وجه الإغراق والتحريف. ذلك أنه مما لا يسيغه العقل أن يرضى أمير عظيم مسلم كالمعتمد بن عباد، أن يزوج ابنته من أمير نصراني أو أن يقدمها له جارية وحظية، ومهما كان من استهتار المعتمد وتسامحه الديني، وإذا فرضنا أنه لم يكن يقيم في مثل هذا التصرف الشائن، وزناً للاعتبارات الدينية والشرعية، وهو في ذاته مما لا يقبله العقل، فمن المستحيل عليه ألا يحسب أعظم حساب لنتائجه السياسية، وخصوصاً في مثل هذه الظروف الدقيقة التي كانت تجوزها اسبانيا المسلمة يومئذ، وأقلها أن يضطرم شعبه المسلم بالثورة عليه، وأن يسحقه ويسحق أسرته، ومن جهة أخرى فإن المعتمد كان يرمي من جانب خصومه في الداخل وفي الخارج بألسنة حداد من أجل استهتاره وتهاونه الديني، ولم يكن من المعقول أن يقدّم بمثل هذا التصرف إلى خصومه سلاحاً جديداً يضعه في صف المارقين والخوارج على الدين.

أما التفسير الحقيقي لهذه القصة، وهو ما كشفت عنه البحوث والنصوص الوثيقة، فهو أن زائدة هذه كانت حسبما تقدم زوجة للفتح بن المعتمد الملقب بالمأمون حاكم قرطبة، وأن المأمون حينما هاجم المرابطون المدينة، أرسل زوجته وولده وأمواله إلى حصن المدور، أو أنه حينما اقتحم المرابطون المدينة وقتل الفتح، استطاعت زائدة أن تلوذ مع أولادها بالفرار، وأن تلجأ إلى حصن المدور، ثم التجأت إلى حماية ملك قشتالة، حينما اشتد خطر المرابطين على سائر تلك الأنحاء وربما كان ذلك بموافقة المعتمد. ولما كانت زائدة على جانب كبير من الجمال، وكان الملك النصراني من جهة أخرى مزواجاً، كلفاً بالنساء، فقد انتهز فرصة التجائها إليه، واتخذها خليلة ثم تزوجها. وتقول الروايات القشتالية في هذا الموطن، إن زائدة كانت تحب الملك النصراني " بالسماع "، وتتوق إلى الزواج منه، وأن المعتمد (بزعم أن زائدة كانت ابنته) قد نزل لملك قشتالة في هذه المناسبة عن قونقة، ووبذة وإقليش وأوكانيا وكونسويجرا وغيرها من الأماكن، وهي التي كان قد افتتحها من مملكة طليطلة أيام بني ذى النون، وذلك كمهر لزائدة. وقد يكون المعتمد قد نزل حقاً عن هذه الأماكن وغيرها لملك قشتالة، ولكن ذلك لم يكن سوى بعض ما تعهد به لملك قشتالة كثمن لحلفه وعونه. ومتى تقرر أن زائدة، لم تكن ابنته، فإنه لا محل أن يقرن هذا التنازل من جانب المعتمد بقصة زواج زائدة من الملك النصراني. ونقول تتمة لقصة زائدة إنها غدت خليلة أو زوجة لملك قشتالة، على الأرجح عقب سقوط قرطبة بقليل، في أوائل سنة 1092 م، وأنها بهذه المناسبة اعتنقت النصرانية وتسمت باسم " إيسابيل "، وفي رواية باسم ماريا، ونصّر أولادها من الفتح، ومن كان معها من الحشم، ورزق منها ألفونسو بولده الوحيد سانشو، وتوفيت زائدة عند مولد ولدها سانشو، ودفنت بدير ساهاجون وذلك في سنة 1097، أو 1098 م. ولما اجتاح المرابطون أراضي قشتالة، في أوائل عهد الأمير علي بن يوسف بن تاشفين، وسار القشتاليون لمحاربتهم تحت أسوار قلعة إقليش، بعث ألفونسو بولده الصبي سانشو على رأس الجيش لكي يثير حماسة الجند، فقتل في الموقعة التي نشبت بين الفريقين، وقتل معه معظم أكابر الجيش وقادته، وذلك في سنة 501 هـ (1108 م). وتوفي ألفونسو على أثر ذلك غماً وحزناً (2).

ولم تذكر لنا الرواية الإسلامية اسم زائدة، ولا شيئاً من قصتها بطريق مباشر، ولكنها مع ذلك تقدم إلينا الدليل القاطع على حقيقة شخصيتها وصفتها، ولدينا في ذلك نصان كلاهما حاسم في تقرير هذه الحقيقة.

أولهما ما ورد في تاريخ ابن عذارى " البيان المغرب " في أخبار سنة 501 هـ وهي الموافقة لسنة (1108 م) عن الحملة التي أرسلها ألفونسو السادس ضد المرابطين لإنجاد قلعة إقليش، وقد جاء فيه: " وفي خلال ذلك وصل إليه (إلى حصن إقليش) ولد أذفونش شانجه من زوج المأمون بن (عباد) التي كانت تنصرت بنحو سبعة ألاف فارس " (3).

والثاني نص أورده الونشريسي في كتابه: " المعيار المغرب والجامع المعرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب " وقد جاء فيه عن موضوع الخوف على الأبضاع والفروج ما يلي: " ومنها الخوف من الفتنة على الأبضاع والفروج، ومتى يأمن ذو زوجة أو ابنة أو قريبة وضيئة أن يعثر عليها وضىء من كلاب الأعداء وخنازير البعداء، فيغرها في نفسها ويغرها في دينها، ويستولي عليها وتطاوعه، ويحال بينها وبين وليها بالارتداد في الدين، كما عرض لِكُنّة المعتمد بن عباد ومن لها من الأولاد، أعاذنا الله من البلاء وشماتة الأعداء " (4).

تلك هي الحقيقة حول أسطورة زائدة " ابنة " المعتمد بن عباد، وتقديم أبيها المعتمد إياها زوجة لألفونسو السادس، اكتساباً لمحالفته وعونه ضد المرابطين، وهي أسطورة لبثت عصوراً تمثل في الروايات الإسبانية الكنسية وغيرها كأنها حقيقة لا ريب فيها. وقد زاد من غموضها صمت الرواية الإسلامية المعاصرة واللاحقة. والظاهر أن المؤرخين المسلمين قد شعروا بما يكتنف هذه القصة من دقة وإيلام للنفوس الكريمة، فآثروا الإغضاء عنها، باعتبارها حادثاً لا أهمية له من الناحية التاريخية.

______________________________________________


(1) وردت هذه القصة ضمن رواية Pelayo de Oviedo المعاصرة، وقد نشرت ضمن مجموعة Espana Sagrada للأب Flores ( الجزء الرابع عشر). وذكرها رودريك الطليطلي في روايته التي وردت في: De Rabis Hispaniea، وكذلك لوقا التطيلي في روايته Cronicon Mundi على اختلاف في بعض التفاصيل، وذكرها الأب فلوريس في تاريخه Flores: Reynas Catolicas ومن المؤرخين المحدثين Modesto Lafuente في تاريخه: Historia general de Espana وراجع ايضاً R.M.Pidal: ibid ; p. 760-764 حيث يلخص سائر الروايات المتقدمة.
(2) راجع R.M.Pidal: ibid ; p. 495, 496 & 760-764.
(3) وقع على هذا النص العلامة المرحوم الأستاذ ليفي بروفنسال في أوراق مخطوطة من البيان المغرب لم تنشر، عثر بها في مكتبة جامع القرويين بفاس، ونشر عنه مقالا عنوانه Zaida la Mora في مجلة Hispéris XVIII (1934) فكان ضوءاً جديداً قيماً على هذه الأسطورة.
(4) وردت هذه الفقرة ضمن فتاوي الونشريسي في كتابه السالف الذكر طبع فاس سنة 1314 هـ. ويوجد منه نسخة مخطوطة بمكتبة الإسكوريال رقم 1146 الغزيري. وقد نشرت أيضاً بصحيفة معهد الدراسات الإسلامية المصري بمدريد (المجلد الخامس ص 189).

المصدر: دولة الإسلام في الأندلس 2/ 345 إلى 348
للعلامة محمد عبدالله عنان رحمه الله تعالى

بين مجير أم عامر ومجير ألفونس السادس



يذكر الميداني في مجمع الأمثال مثل شهير عند العرب " كَمُجِيِرِ أُمّ عَامِرٍ " :
 كان من حديثه أن قوماً خَرَجُوا إلى الصيد في يوم حار فإنهم لكَذَلك إذ عَرَضَتْ لهم أُمَّ عامرٍ وهي الضبع فطَرَدُوها وأتبعهم حتى ألجؤها إلى خِباه أعرابي فاقتحمته فخرج إليهم الأعرابي وقَال : ما شأنكم ؟
 قَالوا : صَيْدُنا وطَريدتنا .
 فَقَال : كلا والذي نفسي بيده لا تصلون إليها ما ثَبَتَ قائمُ سيفي بيدي .
 قَال : فرجَعُوا وتركوه وقام إلى لِقْحَةٍ فحلَبَهَا وماء فقرب منها فأقبلت تَلِغُ مرةً في هذا ومرة في هذا حتى عاشت واستراحت فبينا الأعرابي نائم في جَوْف بيته إذ وّثَبَتْ عليه فبَقَرَتْ بطنه وشربت دَمَه وتركته ,  فجاء ابن عم له يطلبه فإذا هو بَقِيرٌ في بيته فالتفت إلى موضع الضبع فلم يرها .
 فَقَال : صاحبتي والله فأخذ قوسه وكنانته واتبعها فلم يزل حتى أدركها فقتلها ,  وأنشأ يقول : 
 وَمَنْ يَصْنَعِ المَعْرُوفَ معْ غَيرِ أَهْلِهِ ... يُلاَقَ الَّذي لاَقَى مُجِيرُ امِّ عَامِرِ 
 أدامَ لها حِينَ استَجَارَتْ بقُرْبِهِ ... لها محْضَ ألبَانِ اللقَاحِ الدَّرَائِرِ 
 وَأَسْمَنَهَا حَتَّى إذَا مَا تَكَامَلَتْ ... فَرَتْهُ بأنْيَابٍ لَهَا وَأظَافِرِ 
 فَقُلْ لِذِوِي المَعْرُوفِ هَذَا جَزَاءُ مَنْ ... بَدَا يَصْنَعُ المَعرُوفَ فِي غَيْرِ شَاكِرِ . (2-144)

وهذا المثل ينطبق على المأمون بن ذي النون و أهل طليطة عندما أجاروا ألفونس السادس الهارب من أخية سانشو , فبقى عندهم  تسعة أشهر يسرح ويمرح , عرف مداخلها ومخارجها ونقاط ضعف المدينة الحصينة , لأن ذي النون أعتبرة صديق !!! ولكن هذا الصديق هو من أحتل طليطلة  ....
قتل سانشو ورجع الفونسو الى الحكم وفي نية احتلال طيطلة وهذا ما حصل بعد ذلك بسبب حماقة بن ذي النون وثقة الزائدة في عدوة .



وفي عصرنا الحديث كم شخصية تقمصت دور المأمون بن ذي النون وجر الويلات على أمة ......................

أمير المسلمين يوسف بن تاشفين












________________________________________________________________

 تراجم إسلامية شرقية وأندلسية للدكتور محمد عبد الله عنان رحمه الله تعالى 
مصدر الخريطة / أطلس التاريخ العربي والإسلامي للدكتور شوقي أبوخليل رحمه الله تعالى