أمير المؤمنين بالاندلس ، أبو العاص ، المستنصر بالله بن الناصر الاموي المرواني .
بويع بعد أبيه في رمضان سنة خمسين وثلاث مئة .
وكان حسن السيرة ، جامعا للعلم ، مكرما للافاضل ، كبير القدر ، ذا نهمة مفرطة في العلم والفضائل ، عاكفا على المطالعة .
جمع من الكتب ما لم يجمعه أحد من الملوك ، لا قبله ولا بعده ، وتطلبها ، وبذل في أثمانها الاموال ، واشتريت له من البلاد البعيدة بأغلى الاثمان ، مع صفاء السريرة والعقل والكرم ، وتقريب العلماء .
أكثر عن زكريا بن الخطاب، وأجاز له قاسم بن ثابت كتاب : " الدلائل في غريب الحديث ".
وكتب عن خلق كثير منهم : قاسم بن أصبغ ، ومحمد بن محمد بن عبد السلام الخشني ، وأحمد بن دحيم .
ولقد ضاقت خزائنه بالكتب إلى أن صارت إليه ، وآثرها على لذات الملوك، فغزر علمه ، ودق نظره ، وكان له يد بيضاء في معرفة الرجال والانساب ، والاخبار ، وقلما تجد له كتابا إلا وله فيه قراءة أو نظر ، من أي فن كان .
ويكتب فيه نسب المؤلف ، ومولده ووفاته ، ويأتي من ذلك بغرائب لا تكاد توجد .
ومن محاسنه أنه شدد من مملكته في إبطال الخمور تشديدا عظيما .
وكان أخوه الامير عبد الله المعروف بالولد ، على أنموذجة في محبة العلم ، فقتل في أيام أبيه .
وكان المستنصر موثقا فيما ينقله .
ذكره ابن الابار في تاريخه .
وقال: عجبا لابن الفرضي ، وابن بشكوال ، كيف لم يذكراه .
مولده في سنة اثنتين وثلاث مئة.
قال اليسع بن حزم : كان الحكم عالما ، راوية للحديث ، فطنا ، ورعا .
وفد عليه أبو علي القاضي ، وأبو علي الزبيدي ، وغيرهما .
ولما توفي القاضي منذر بن سعيد استعمل على القضاء الفقيه ابن بشير ، فشرط عليه نفوذ الحق والعدل ، فرفع إليه تاجر أنه ضاعت له جارية صغيرة ، وأنها في القصر ، فانتهى الامر إلى الحكم .
فقال الحكم : نرضي هذا التاجر بكل ما عسى أن يرضى به .
فقال ابن بشير : لا يكمل عدلك حتى تنصف من نفسك ، وهذا قد ادعى أمرا ، فلابد من إحضارها ، وشهادة الشهود على عينها ، فأحضرها الحكم ، وأنصف التاجر .
وفي دولة الحكم همت الروم بأخذ مواضع من الثغور ، فقواها بالمال والجيوش ، وغزا بنفسه ، وزاد في القطيعة على الروم ، وأذلهم .
وكان موته بالفالج في صفر ست وستين وثلاث مئة .
وخلف ولدا وهو هشام ، فأقيم في الخلافة بتدبير الوزير ابن أبي عامر القحطاني .
_______________________________________
سير أعلام النبلاء الجزء الثامن 269-270-271
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق