من عادات العرب في الخيل: أن الواحد منهم كان إذا أراد الركوب لثأر جزَّ ناصية فرسه وذنبها, وأول من فعل ذلك الحرث بن عِبَاد يوم تحلاق اللمم من أيام حرب البسوس, وذلك أنه لما سمع بقتل ولده =بحير+ دعا بفرسه النعامة، فجيء بها، فجز ناصيتها وذنبها, ونادى في قومه, وأنشد قصيدته التي مطلعها:
كل شيء مصيره للزوال ... غير ربي وصالح الأعمال
ومنها:
قربا مربط النعامة مني ... لقحت حرب وائل عن حيالي
لم أكن من جناتها علم الله ... وإني بِحَرِّها اليوم صالي
فاتخذ العرب ذلك سنة إذا أرادوا إدراك الثأر فعلوا ذلك بخيلهم, فلما بلغ المهلهل فعل الحرث, دعا بفرسه المشهّر وفعل به ما فعل الحرث بالنعامة, وقال قصيدته التي مطلعها:
هل عرفت الغداة من أطلال ... رهنَ ريحٍ وديمةٍ مهطال
ومنها:
قربا مربط المُشَهَّر مني ... لكليب الذي أشاب قذالي
ص76
وكانوا يطعمون الجياد من الخيل اللبن, قال فارس جروة شداد بن معاوية العبسي:
ومن يك سائلاً عني فإني ... وجروة لا تباع ولا تعار
مقربة الشتاء ولا تراها ... أمام الحي يتبعها المهار
لها بالصيف جرجارٌ وجُلٌّ ... وستٌ من كرائمها غزار
قوله وست من كرائمها إلخ _ أي لها من كرائم الإبل ست نوق تشرب من ألبانها.ص76 _ 77
وكانوا يحبون الخيل ويبالغون في إكرامها, وكان الرجل منهم يبيت جائعاً ويشبع فرسه, ويؤثره على نفسه وعياله وولده, قال مالك بن نويرة:
أعلل أهلي عن قليل متاعهم ... وأسقيه محض الشول والحي ضائق
ص78
وكانوا يقلدونها أوتار القسي لئلا تصيبها العين, فنهاهم الإسلام عن ذلك, وأعلمهم أن الأوتار لا ترد شيئاً من قضاء الله _ تعالى _ ورخص بتقليدها الخرز لأجل الزينة.ص78
وكانوا يَسِمُونَها بنار الميسم _ وهي الحديدة التي يكوى بها _ قال الجاحظ في كتابه: ووسمت العرب الخيل وجميع أصناف النعم في الإسلام على مثل صنيعها في الجاهلية.اهـ ص78
وكانوا ينعلون الخيل بالحديد, وقد دل عليه قول مالك بن بلالة بن أرحب:
أمرت بإتيان اللجام فأبدعت ... وأنعلت خيلي في المسير حديدا
وأرحبُ جدي كان أحدث قبلنا
... ولو نطقت كانت بذاك شهودا
ص78
وكانوا يجعلون في عنق السكيت من الخيل حبلاً _ والسكيت اسم للعاشر من مراتب خيل السباق _ ويجعلون عليه قِرْدَاً، ويعطون للقرد سوطاً، فيركضه تنكيلاً بصاحبه وتعييراً له، قال الوليد بن حصين الكلبي:
إذا أنت لم تسبق وكنت مخلفاً ... سُبقت إذا لم تدع بالقرد والحبلِ
وإن كنت حقاً بالسكيت مخلفاً ... فتورث مولاك المذلة بالنبلِ
وسمي السكيت لأن صاحبه يسكت حزناً وحياء، وقوله فتورث مولاك إلخ: يشير إلى ما يفعله بعضهم من رمي السكيت بالنبل.ص78 _ 79
وكانوا إذا ساروا لمحاربة عدو يقودون خيولهم ليريحوها ويركبون إبلهم, فإذا قربوا من عدوهم نزلوا عن إبلهم إلى خيلهم, ثم أغاروا.ص79
وكانت الخيل أعظم عددهم في الحروب, وعليها مدار أمرهم, وبها يجولون في كرهم وفرهم, قال طرفة بن العبد:
ونُكرُّ الخيلَ في أدبارها ... يوم لا يعطف إلا ذو كرم
ص79
وكانوا يستحبون إناث الخيل في الغارات والبيات ولما خفي من أمور الحرب, وكانوا يستحبون فحول الخيل في الصفوف، والحضور، والسير، والعسكر، ولما ظهر من أمور الحرب, وكانوا يستحبون خصيان الخيل في الكمين والطلائع؛ لأنها أصبر وأبقى في الجهد.ص79
وكان أشراف العرب يخدمون الخيل بأنفسهم لا يتكلون على أحد سواهم.
ومن الحكم: ثلاثة لا ينبغي لأحد أن يأنف منهن وإن كان شريفاً أو أميراً: قيامه عن مجلسه لأبيه, وخدمته لضيفه, وقيامه على فرسه.
وكتب سليمان بن هشام بن عبد الملك إلى والده أن فرسي قد ضعف, فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر لي بغيره؟ فكتب إليه والده: إن أمير المؤمنين قد فهم ما ذكرت من ضعف فرسك, وظن ذلك من قلة تعهدك له, فقم عليه بنفسك.ص80
_____________________________________
اقتباس من كتاب: عادات عربية للعلامة اللغوي محمد المكي بن الحسين رحمه الله تعالى
المنتقى من بطون الكتب للدكتور محمد ابراهيم الحمد