وبالجملة ليست هناك قبيلة أو طائفة سبق المسلمون إلى قتالها، وإنما قاموا بالرد عليها والدفاع عن أنفسهم حين تكررت الاعتداءات.
وبعد كل هذه التفصيلات يزول إعتراض كل معترض، ولكن إذا بقي في قلبه شك بعد، فإني لأقول له أن يعتبر جميع أرقام الجدول، (82) حروبا، ويعتبر كل حرب حربا عدوانية، وأن المسلمين هم الذين بدأوا القتال كل مرة، ومع ذلك كله يجب أن نفكر في نتائج هذه الحروب. فالجدول الذي أثبتناه يوضح أن خسارة المسلمين وخسارة الفريق المحارب كانت كما يلي:
عدد قتلى كل من الفريقين 1018 قتيل، وإذا قسمناه على 82 خرج معدل حرب واحدة 8/ 41 ... 11. هل يمكن لعاقل أن يقول عن هذه الحروب أنها كانت ذات تأثير بالغ في إكراه الناس على ترك الأديان التي تعمقت جذورها في داخلهم واعتناق الدين الجديد ولا سيما في بلاد ضارية مثل جزيرة العرب؟
وعدد أسرى الأعداء يبدو كبيرا أي 6564 أسير، ولكن هذا العدد أيضا ضئيل بالنسبة لشبه جزيرة العرب. وبما أن العدد الكبير (6000) من جملة هذا العدد يتعلق بغزوة واحدة، غزوة حنين، فمعدل الأسرى في باقي الحروب يكون سبعا. وليس هذا العدد من القوة بحيث يكره البلاد كلها على ترك الدين.
وقد ثبت بالتحقيق أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قد أطلق 6347 أسيرا من أصل 6564 أسيرا. شفقة ورحمة بدون شرط إلا الأسيرين اللذين قتلا جزاء بما كسبا من الجريمة وقد بقى 215 أسيرا لم أعرف مصيرهم. والأمل كبير في أن يكمل هذا البحث عالم ثاقب الفكر والنظر بعدي. وأنا متأكد ومؤمن بأن الرجل الكريم الذي أحسن إلى 6347 أسيرا لابد أن يكون قد تلطف مع الأسرى الآخرين الذين بلغ عددهم 215 أسيرا.
والغالب أن يكون هؤلاء قد أسلموا وبقوا مع المسلمين فلم يعدوا من المعتقين.
العدد المذكور أعلاه يدل على أنه قد ضحى بثمانية عشر وألف نسمة لتحويل العرب الوحوش إلى عرب متحضرين، والعرب الملحدين الوثنين إلى عرب مسلمين موحدين، وللقضاء على أحداث القتل والنهب وتعزيز الأمن العام في بلاد تفوق مساحتها مساحة فرنسا بضعفين وإحلال الأخوة والروحانية محل العداوة والبغضاء المتوارثة، وإثبات الشورى مكان الاستبداد. وبالعكس من ذلك انظروا إلى العدد الهائل الذي ذهب ضحية في كل من فرنسا وأمريكا في سبيل إنشاء ما يسمى بالديمقراطية، وانظروا إلى الدماء التي سفكت في إنكلترا لبناء ما يسمى بالبرلمان، وانظروا إلى الخسائر التي نتجت عن الحرب العالمية التي استمرت من 14 من شهر أغسطس سنة 1914م إلى 3 من شهر مارس سنة 1917م على معظم أجزاء العالم المتمدن. ذكر أن إنكلترا إنما كانت تهدف بهذه الحرب إلى تأمين حرية الحكومات الصغيرة وكيانها، ولهذا الهدف البسيط هلكت آلاف النفوس، وفنيت الأموال الطائلة، وغرقت مئات الطائرات في البحر وتدهورت التجارة العالمية، وفسدت مرافق الحياة ومظاهر الترف، ومع ذلك كله فإن الشعب الإنجليزي مستعد بعد للتضحيات تحقيقا للغرض المنشود (¬1).
وانظروا إلى مدى نجاح الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد ضحى بثمانية عشر وألف رجل فقط لتحقيق المصالح الروحية والخلقية والمادية والقومية التي لم تحققها أمة ولا دولة حتى اليوم.
دعونا من حروب رجال الدنيا، ولنذكر ما يسمى بالحروب المقدسة، فهذه حروب مهابهارت لا يقل عدد المقتولين فيها عن عشرة ملايين نسمة، وكذلك أهلكت الهيئات الدينية المقدسة في أوربا نفوسا يربو عددها على مئات الآلاف.
وقد ذكر المستر جان ديون بورت في كتابه ((- Apology of Muhammad and Qu ran)) أن عدد من أعدمته محاكم التفتيش بلغ اثنى عشر مليون نسمة كانوا مسيحيون قتلوا بأيد مسيحية.
ودولة أسبانيا وحدها أهلكت ثلاثمائة ألف وأربعين ألفا من المسيحيين اثنان وثلاثون ألفا منهم أحرقوا أحياء.
_______________________________________________
(¬1) نشرت صحيفة همدم الصدرة في 17 / من ابريل سنة 1919م تعداد قتلى الحرب العالمية المستمرة من سنة 18 - 1914م حسب ما يلي:
روسيا 170 ألف نسمة، وألمانيا 160 ألف نسمة، فرنسا 200 ألف نسمة، وإيطاليا 460 ألف نسمة، والنمسا 800 ألف نسمة: بريطانيا 800 ألف نسمة، وتركيا 250 ألف نسمة، وبلجيكا 102 ألف نسمة، وبلغارية 100 ألف نسمة، ورومانيا 100 ألف نسمة، وأمريكا خمسون ألف نسمة. المجموع الكلي أكثر من سبعة ملايين نسمة.
ويشك كاتب المقال ويتساءل هل دخل عدد قتلى مستعمرات الهند وفرنسا في تعداد إنكلترا وفرنسا أم لا؟ ولكنه يعترف بأن عدد الجرحى والأسرى والضائعين لم يدرج في الأعداد المذكورة.
المرجع: رحمة للعالمين (ص:467 إلى 470) للمنصوفوري (المتوفى: 1348هـ).